قال أبو عمر الداني: أخذ القراءة عن الأنطاكي، وابن غلبون، ومحمد بن الحسين بن النعمان.
قال: وكان فاضلًا ضابطًا، شديدًا في السنة.
وقال ابن بشكوال: كان سيفًا مجردًا على أهل الأهواء والبدع، قامعًا لهم، غيورًا على الشريعة، شديدًا في ذات الله، أقرأ الناس محتسبًا، وأسمع: الحديث، والتزم للإمامة بمسجد منعة، ثم خرج، وتحول في الثغر، وانتفع الناس بعلمه، وقصد بلده في آخر عمره، فتوفي بها. أخبرنا إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي الحجاري، عن أبيه قال: خرج أبو عمر الطلمنكي علينا، ونحن نقرأ عليه، فقال: رأيت البارحة في منامي من ينشدني:
اغتنموا البرّ بشيخٍ ثوى … ترحمه السّوقة والصّيد
قد ختم العمر بعيدٍ مضى … ليس له من بعده عيد
فتوفي في ذلك العام في ذي الحجة، سنة تسع وعشرين وأربع مائة.
قلت: عاش تسعين عامًا سوى أشهر، وقد امتحن لفرط إنكاره، وقام عليه طائفة من أضداده، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف في صالحي المسلمين، وكان الشهود عليه خمسة عشر فقيهًا، فنصره قاضي سرقسطة؛ في سنة خمس وعشرين وأربع مائة، وأشهد على نفسه بإسقاط الشهود، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن قرنون.
وحدث عنه أيضًا قاضي سرقسطة عبد الله بن محمد بن إسماعيل، وقاضي المرية محمد بن خلف بن المرابط، والخطيب محمد بن يحيى العبدري.
رأيت له كتابًا في السنة في مجلدين عامته جيد، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبدًا مثل: باب الجنب لله، وذكر فيه: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦]، فهذه زلة عالم، وألف كتابًا في الرد على الباطنية، فقال: ومنهم قوم تعبدوا بغير علم، وزعموا أنهم يرون الجنة كل ليلة، ويأكلون من ثمارها، وتنزل عليهم الحور العين، وأنهم يلوذون بالعرش، ويرون الله بغير واسطة، ويجالسونه.