للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أردإ تواليفه "رسالة الغفران" في مجلد قد احتوت على مزدكة وفراغ ورسالة الملائكة ورسالة الطير على ذلك الأنموذج وديوانه سقط الزند مشهور وله لزوم ما لا يلزم من نظمه وكان إليه المنتهى في حفظ اللغات.

ارتحل في حدود الأربع مائة إلى طرابلس وبها كتب كثيرة واجتاز باللاذقية فنزل ديرًا به راهب متفلسف فدخل كلامه في مسامع أبي العلاء وحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها فحصل له نوع انحلال دل عليه ما ينظمه ويلهج به. ويقال: تاب من ذلك وارعوى.

وقد سارت الفضلاء إلى بابه وأخذوا عنه.

وكان أخذ اللغة عن، أبيه وبحلب عن، محمد بن عبد الله بن سعد النحوي.

وكانت غلته في العام نحو ثلاثين دينارًا أفرز منها نصفها لمن يخدمه.

وكان غذاؤه العدس ونحوه وحلواه التين وثيابه القطن وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن عورض في وقفه فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين وحدث بها بسقط الزند.

يقال: كان يحفظ كل ما مر بسمع: هـ ويلازم بيته وسمى نفسه رهن المحبسين؛ للزومه منزله وللعمى وقال الشعر في حداثته وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره.

خرج صالح بن مرداس ملك حلب فنازل المعرة يحاصرها ورماها بالمجانيق فخرج إليه أبو العلاء يتشفع فأكرمه وقال: ألك حاجة؟ قال: الأمير أطال الله بقاءه كالسيف القاطع لامن مسه وخشن حده وكالنهار الماتع (١) قاظ (٢) وسطه وطاب أبرداه (٣) ﴿خُذ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عن الجاهلين﴾ [الأعراف: ١٩٩] فقال: قد وهبتك المعرة فأنشدنا من شعرك. فأنشده على البديه أبياتًا وترحل صالح.

كان لأبي العلاء خلوة يدخلها للأكل ويقول: الأعمى عورة والواجب استتاره. فأكل مرةً دبسًا فنقط على صدره منه فلما خرج للإفادة؛ قيل له: أكلتم دبسًا؟ فأسرع بيده إلى صدره فمسحه وقال: نعم لعن الله النهم. فعجبوا من ذكائه وكان يعتذر إلى من يرحل إليه ويتأوه لعدم صلته.


(١) الماتع: المرتفع.
(٢) قاظ: من القيظ، وهو شدة الحر.
(٣) أبرداه: أي طرفاه وهما الغداة والعشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>