ستملك اليمن بأسره. فينكر على القائل فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربع مائة ثار بجبل مشار في ستين رجلًا فأووا إلى ذروة شاهق فما أمسوا حتى أحاط بهم عشرون ألفًا وقالوا: انزل وإلا قتلناكم جوعًا وعطشًا. قال: ما فعلت هذا إلَّا خوفًا أن يملكه غيرنا وإن تركتمونا نحرسة وإلا نزلنا إليكم. وخدعهم فانصرفوا فلم يمض عليه أشهر حتى بناه وحصنه ولحق به كل طماع وذي جلادة وكثروا فاستفحل أمره وأظهر الدعوة لصاحب مصر المستنصر وكان يخاف من نجاح صاحب تهامة ويلاطفه ويتحيل عليه حتى سقاه مع جارية مليحة أهداها له واستولى على الممالك اليمنية في سنة خمس وخمسين وأربع مائة وخطب على منبر الجند فقال: وفي مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. فقال رجل: سبوج قدوس. يستهزئ بقوله فأمر بأخذه فاتفق أنه أخذ عدن وخطب وصيرها دار ملكه وأنشأ عدة قصور أنيقة وأسر ملوكًا وامتدت أيامه ثم حج وأحسن إلى أهل مكة.
وكان أشقر أزرق، يسلم على من مر عليهم، وكان ذا ذكاء ودهاء كسا الكعبة البياض وخطب لزوجته أيضًا معه على المنابر وكان فرسه بألف دينار ويركب بالعصائب وتركب الحرة في مائةي جارية في الحلي والحلل ومعها الجنائب بسروج الذهب ثم إنه حج في سنة ثلاث وسبعين واستخلف على اليمن ابنه أحمد الملك المكرم فلما نزل بالمهجم وثب عليه جياش بن نجاح وأخوه سعيد الأحول فقتلاه بأبيهما وكانا قد خرجا في سبعين نفسًا بلا سلاح بل مع كل واحد جريدة في رأسها زج وساروا نحو الساحل فجهز لحربهم خمسة آلاف فاختلفوا في الطريق ووصل السبعون إلى منزلة الصليحي وقد أخذ منهم التعب والحفاء فظنهم الناس من عبيد العسكر فشعر بهم أخو الصليحي فدخل مخيمه وقال: اركب فهذا الأحول سعيد. فقال الصليحي: لا أموت إلَّا بالدهيم. فقال رجل: قاتل عن نفسك فهذا والله الدهيم. فلحقه زمع الموت وبال وما برح حتى قطع رأسه بسيفه وقتل أخوه عبد الله وأقاربه وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث والتف أكثر العسكر على ابن نجاح وتملك ورفع رأس الصليحي على قناة وتملك ابن نجاح مدائن وجرت أمور إلى أن دبرت الحرة على قتله بعد ثمانية أعوام، فقتل.
وحدثني تاج الدين عبد الباقي النحوي في "تاريخه" قال: احتضر رأس الدعاة فأعطى الصليحي ما جمع من الأموال فأقام يعمل الحيل ثم صعد جبلًا في جمع وبناه حصنًا وحارب وأمره يستفحل ثم اقتفاه ابن أبي حاشد متولي صنعاء فقتل وقتل معه ألف وتملك الصليحي صنعاء، وطوى اليمن سهلًا وجبلًا، واستقر ملكه لجميع اليمن من مكة إلى حضرموت إلى أن قتله سعيد وأخذ بثأر أبيه نجاح ودام ملك ولده المكرم على شطر اليمن مدةً وحارب ابن نجاح غير مرة إلى أن مات سنة أربع وثمانين فتملك بعده ابن عمه سبأ بن أحمد إلى سنة خمس وتسعين، وصار الملك إلى آل نجاح مدة.