للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال محمد بن طاهر: حضر المحدث أبو جعفر الهمذاني مجلس وعظ أبي المعالي، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه. فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها، ما قال عارف قط: يا ألله! إلَّا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، أو قال: فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها? فقال: يا حبيبي! ما ثم إلَّا الحيرة. ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني.

لأبي المعالي كتاب "نهاية المطلب في المذهب"؛ ثمانية أسفار، وكتاب "الإرشاد في أصول الدين"، كتاب "الرسالة النظامية في الأحكام الإسلامية"، كتاب "الشامل في أصول الدين"، كتاب "البرهان في أصول الفقه"، كتاب "مدارك العقول" لم يتمه، كتاب "غياث الأمم في الإمامة"، كتاب "مغيث الخلق في اختيار الأحق"، كتاب "غنية المسترشدين في الخلاف".

وكان إذا أخذ في علم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، وكان يذكر في اليوم دروسًا؛ الدرس في عدة أوراق، لا يتلعثم في كلمة منها. وصفه بهذا وأضعافه عبد الغافر بن إسماعيل.

توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب والده، وكسروا منبره، وغلقت الأسواق، ورثي بقصائد، وكان له نحو من أربع مائة تلميذ، كسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا حولًا، ووضعت المناديل عن الرؤوس عامًا، بحيث ما اجترأ أحد على ستر رأسه، وكانت الطلبة يطوفون في البلد نائحين عليه، مبالغين في الصياح والجزع.

قلت: هذا كان من زي الأعاجم لا من فعل العلماء المتبعين.

وقال أبو الحسن الباخرزي في "الدمية" في حقه: الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي، وفي الوعظ الحسن الحسن البصري، وكيف ما هو فهو إمام كل إمام، والمستعلي بهمته على كل هام، والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام، إن تصدر للفقه، فالمزني من مزنته، وإذا تكلم فالأشعري شعرة من وفرته.

أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، عن عبد القادر الحافظ، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني، أخبرني أبو جعفر الحافظ، سمعت أبا المعالي وسئل عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [طه: ٥]، فقال: كان الله ولا عرش. وجعل يتخبط، فقلت: هل عندك للضرورات من حيلة? فقال: ما معنى هذه الإشارة? قلت: ما قال عارف قط: يا رباه! إلَّا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً -يقصد الفوق- فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؛ فتنبئنا نتخلص من الفوق والتحت? وبكيت وبكى الخلق، فضرب بكمه على السرير، وصاح بالحيرة، ومزق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل يقول: يا حبيبي! الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>