بعث السلطان الآن يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلامًا وجماعة، فدخلوا، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، فألقى الغلام الصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، وقد اشتد غضب السلطان، فقال له السلطان: ما هذا? قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذا أسألك. قال: فعم يسألني السلطان? قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال شيخ الإسلام بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به، فأخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بهم، وصادرهم، وأخذ منهم وأهانهم.
قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت? قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال:﵁.
قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام، إن هم إلَّا كالأنعام.
قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولمَ? قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلَّا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان أبو إسماعيل الأنصاري على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إمامًا كاملًا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغل بكسب، مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرةً أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئًا، وقل ما يراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزًا مقبولًا قبولًا أتم من الملك، مطاع الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدين، ورغمًا لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام. ثم إذا انصرف إلى بيته؛ عاد إلى المرقعة