وكان كاتبه الوزير أبو محمد عبد الله بن النحوي أحد البلغاء، فكتب أذفونش لعنه الله يرعد ويبرق، فأجاب: وصل إلى الملك المظفر من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ويفرق، ويهدد بالجنود الوافرة، ولم يدر أن لله جنودًا أعز بهم الإسلام، وأظهر بهم دين نبينا ﵊، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، فأما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم، فبالذنوب المركوبة، والفرق المنكوبة، ولو اتفقت كلمتنا علمت أي صائب أذقناك، كما كانت آباؤك مع آبائنا، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك، أهدى ابنته إليه مع الذخائر التي كانت تفد في كل عام عليه، ونحن فإن قلت أعدادنا، وعدم من المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر تخوضه، ولا صعب تروضه، إلَّا سيوف يشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في يومك، وبالله وملائكته نتقوى عليك، ليس لنا سواه مطلب، ولا إلى غيره مهرب، وهل تربصون بنا إلَّا إحدى الحسنيين، شهادة، أو نصر عزيز.
ولما توفي المظفر بعد السبعين وأربع مائة أو قبلها، قام في الملك بعده ولده الملقب بالمتوكل على الله أبو حفص عمر بن الأفطس صاحب بطليوس ويابرة وشنترين وأشبونة، فكان نحوًا من أبيه في الشجاعة والبراعة والأدب والبلاغة، فبقي إلى أن قتله المرابطون جند يوسف بن تاشفين صبرًا، وقتلوا معه ولديه الفضل وعباسًا، في سنة خمس وثمانين وأربع مائة، إذ استولوا على الأندلس.
ولعبد المجيد بن عيذون فيهم قصيدة طنانة نادرة المثل، منها:
بنى المظفّر والأيام لا نزلت … مراحلٌ والورى منها على سفر
من للأسرّة أو من للأعنّة أو … من للأسنّة يهديها إلى الثّغر
من للبراعة أو من لليراعة أو … من للشجاعة أو للنّفع والضّرر