سنة ست، واستوزر أبا شجاع، وأقبلت سعادته، وتمكن من المقدى تمكنًا عجيبًا، وعزت الخلافة، وأمن الناس، وعمرت العراق، وكثرت المكاسب.
وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم، فيغتص الديوان بالسادة والكبراء، وينادى الحجاب: أين أصحاب الحوائج؟ فينصف المظلوم، ويؤدي عن المحبوس، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير.
وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوجت بالمقدى، فاستعفى من لبس الحرير، فنفذت له عمامة ودبيقية بمائتين وسبعين دينارًا، فلبسها.
وقيل: إنه أمر ليلة بعمل قطائف، فلما أحضرت، تذكر نفوس مساكين تشتهيها، فأمر بحملها إلى فقراء وأضراء.
وقيل: أحصى ما أنفقه على يد كاتب له، فبلغ أزيد من مائة ألف دينار.
قال الكاتب: وكنت واحدًا من عشرة يتولون صدقاته.
وكان كاملًا في فنون، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان، وكتابته طبقة عالية على طريقة ابن مقلة. ولقد بالغ ابن النجار في استيفاء ترجمته.
وزر سبع سنين وسبعة أشهر، ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة لموجدة، فأنشد أبو شجاع:
تولاها وليس له عدو … وفارقها وليس له صديق
ثم خرج إلى الجمعة، فضجت العامة يدعون له، ويصافحونه، فألزم لذلك بأن لا يخرج من داره، فاتخذ في دهليزه مسجدًا، ثم حج لعامه، ورجع، فمنع من دخول بغداد، وبعث إلى روذراور، فبقى فيها سنتين، ثم حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة، ونزل المدينة وتزهد، فمات خادم، فأعطي الخدام ذهبًا، حتى جعل موضع الخادم، فكان يكنس ويوقد، ولبس الخام، وحفظ القرآن هناك، وطلب منه أبو علي العجلي أن يقرأ عليه ديوانه، فامتنع، وأنشده بعضه.
قال أبو الحسن الهمذاني: دفن بالبقيع، في نصف جمادى الاخرة، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، عن إحدى وخمسين سنة، رحمه الله تعالى.
وخلف من الولد الصاحب نظام الدين، فتوفى بأصبهان سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وهو والد الوزير المعظم ظهير الدين محمد بن أبي منصور حسين بن الوزير أبي شجاع.