قلت:"ديوانه" كبير، وهو أقسام: العراقيات، والنجديات، والوجديات، وعمل "تاريخًا" لأبيورد.
قال السمعاني: سمعت غير واحد يقولون: كان الأبيوردي يقول في صلاته: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها.
قلت: هو ريان من العلوم، موصوفٌ بالدين والورع، إلَّا أنه تياه، معجب بنفسه، قد قتله حب السؤدد، وكان جميلًا لباسًا له هيئة ورواء، وكان يفتخر، ويكتب اسمه: العبشمي المعاوي، يقال: إنه كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر بالله، وكتب: المملوك المعاوي، فحك المستظهر الميم، فصار العاوي، ورد الرقعة إليه.
قال جماد الحراني: سمعت السلفي يقول: كان الأبيوردي -والله- من أهل الدين والخير والصلاح والثقة، قال لي: والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله، ولا حديث رسول الله احترامًا لهما أن يبدو مني شيءٌ لا يجوز.
أنشدنا أبو الحسين بن الفقيه، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:
وشادنٍ زارني على عجلٍ … كالبدر في صفحة الدجى لمعا
لم أزل موهنا أحدثه … والبدر يصغي إلي مستمعا
وصلت خدي بخده شغفا … حتى التقى الروض والغدير معا
قال عبد الغافر في "السياق": فخر العرب أبو المظفر الأبيوردي الكوفني، الرئيس الأديب، الكاتب النسابة، من مفاخر العصر، وأفاضل الدهر، له الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتصانيف المعجزة، والتواليف المعجبة، والنظم الذي نسخ أشعار المحدثين، ونسج فيه على منوال المعري، ومن فوقه من المفلقين، رأيته شابًا قام في درس إمام الحرمين مرارًا، وأنشأ فيه قصائد كبارًا، يلفظها كما يشاء زبدًا من بحر خاطره كما نشاء، ميسرٌ له الإنشاء، طويل النفس، كثير الحفظ، يلتفت في أثناء كلامه إلى الفقر والوقائع، والاستنباطات الغريبة، ثم خرج إلى العراق، وأقام مدةً يجذب فضله بضبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبعه، حتى ظهر أمره، وعلا قدره، وحصل له من السلطان مكانةٌ ونعمة، ثم كان يرشح من كلامه نوع تشبث بالخلافة، ودعوة إلى اتباع فضله، وادعاء استحقاق الإمامة، تبيض وساوس الشيطان في رأسه وتفرخ، وترفع الكبر بأنفه وتشمخ، فاضطره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى همذان، فأقام بها يدرس ويفيد، ويصنف مدة.