بلدي، وأسر إلي كلامًا قال فيه: إن أخاك قد وصل من الشام، وذلك بعد دخول الترك بيت المقدس، وقتل الناس بها، فأخذت في القراءة، فاختلطت علي السطور، ولم يمكني أقرأ، فقال أبو إسحاق: ما لك? قلت: خير، قال: لا بد أن تخبرني، فأخبرته، فقال: وكم لك لم تر أخاك? قال: سنين، قال: ولم لا تذهب إليه? قلت: حتى أتم الجزء، قال: ما أعظم حرصكم يا أهل الحديث، قد تم المجلس، وصلى الله على محمد، وانصرف.
وأقمت بتنيس مدةً على أبي محمد بن الحداد ونظرائه، فضاق بي، فلم يبق معي غير درهم، وكنت أحتاج إلى حبرٍ وكاغد، فترددت في صرفه في الحبر أو الكاغد أو الخبز، ومضى على هذا ثلاثة أيام لم أطعم فيها، فلما كان بكرة اليوم الرابع، قلت في نفسي: لو كان لي اليوم كاغد، لم يمكني أن أكتب من الجوع، فجعلت الدرهم في فمي، وخرجت لأشتري خبزًا، فبلعته، ووقع علي الضحك، فلقيني صديقٌ وأنا أضحك، فقال: ما أضحكك? قلت: خير، فألح علي، وأبيت أن أخبره، فحلف بالطلاق لتصدقني، فأخبرته، فأدخلني منزله، وتكلف أطعمةً، فلما خرجنا لصلاة الظهر، اجتمع به بعض وكلاء عامل تنيس ابن قادوس، فسأله عني، فقال: هو هذا، قال: إن صاحبي منذ شهر أمر بي أن أوصل إليه كل يومٍ عشرة دراهم قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه، فأخذ منه ثلاث مائة، وجاء بها.
قال: وكنت ببغداد في سنة سبع وستين وأربع مائة، وتوفي القائم بأمر الله، وبويع للمقتدي بأمر الله، فلما كان عشية اليوم، دخلنا على أبي إسحاق الشيرازي، وسألناه عن البيعة، كيف كانت? فحكى لنا ما جرى، ونظر إلي، وأنا يومئذ مختط، فقال: هو أشبه الناس بهذا، وكان مولد المقتدي في عام مولدي، وأنا أصغر منه بأربعة أشهر، وأول ما سمعت من الفقيه نصر في سنة ستين وأربع مائة، ورحلت إلى بغداد سنة سبع، ثم رجعت، وأحرمت من بيت المقدس إلى مكة.
قلت: قد كتب ابن طاهر عن ابن هزارمرد الصريفيني، وبيبى الهرثمية، وهذه الطبقة، ثم كتب عن أصحاب هلال الحفار، ثم نزل إلى أصحاب أبي نعيم، إلى أن كتب عن أصحاب الجوهري، بحيث إنه كتب عن تلميذه أبي طاهر السلفي، وسمع ولده أبا زرعة المقدسي من أبي منصور المقومي، وعبدوس بن عبد الله، والدوني، وخلق، وطال عمر أبي زرعة، وروى الكثير وبعد صيته.
أنبئت عن أبي جعفر الطرسوسي عن ابن طاهر قال: لو أن محدثًا من سائر الفرق أراد أن يروي حديثًا واحدًا بإسناد إلى رسول الله ﷺ يوافقه الكل في عقده، لم يسلم له ذلك،