تلونه، وإحسانه، وعليه بنيت هذه المقامات. نقل هذه القصة التاج المسعودي، عن ابن النقور عنه.
قلت: اشتهرت المقامات، وأعجبت وزير المسترشد شرف الدين أنوشروان القاشاني، فأشار عليه بإتمامها، وهو القائل في الخطبة: فأشار من إشارته حكمٌ، وطاعته غنمٌ.
وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام، فعنى به نفسه أخذا بما ورد في الحديث:"كلكم حارث، وكلكم همَّام"(١) فالحارث: الكاسب، والهمام: الكثير الاهتمام، فقصد الصفة فيهما، لا العلمية.
وبنو حرام: بحاء مفتوحة وراء، والمشان بالفتح: بليدة فوق البصرة معروفة بالوخم.
قال ابن خلكان: وجدت في عدة تواريخ أن الحريري صنف "المقامات" بإشارة أنوشروان، إلى أن رأيت بالقاهرة نسخة بخط المصنف، وقد كتب أنه صنفها للوزير جلال الدين أبي علي بن صدقة وزير المسترشد، فهذا أصح، لأنه بخط المصنف.
وفي "تاريخ النحاة" للقفطي أن أبا زيد السروجي اسمه مطهر ابن سلار، وكان بصريًا لغويًا، صحب الحريري، وتخرج به، وتوفي بعد عام أربعين وخمس مائة، سمع أبو الفتح المندائي منه "الملحة" بسماعه من الحريري.
وقيل: إن الحريري عمل المقامات أربعين وأتى بها إلى بغداد، فقال بعض الأدباء: هذه لرجل مغربي مات بالبصرة، فادعاها الحريري، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: الأدب، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعةٍ عينها، فانفرد وقعد زمانا لم يفتح عليه ما يكتبه، فقام خجلًا.
وقال علي بن أفلح الشاعر:
شيخٌ لنا من ربيعة الفرس … ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما … رماه وسط الديوان بالخرس
(١) ورد عند أبي داود "٤٩٥٠" والنسائي "٦/ ٢١٨ - ٢١٩"، وأحمد "٤/ ٣٤٥" من حديث أبي وهب الجشمي مرفوعًا بلفظ: - "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة". وهو حديث صحيح دون قوله: "تسموا بأسماء الأنبياء" فإنها ضعيفة لا تصح.