للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان أبوه نائبًا بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك إلى أن مات، فقام بعده ابنه هذا، وعظم شأنه، وأهلك نزارًا ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية وأتابكه أفتكين متولى الثغر، وكان بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلى، نصب في الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طباشًا فاسقًا، فعمل على قتل الأفضل، فرتب عدة وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر، توجع له، فلما قضى، استأصل أمواله، وبقى الآمر في داره أربعين صباحًا والكتبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاده، وكانت أيامه ثمانيًا وعشرين سنة، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنيًا، فكان يؤذيهم، وكان فيه عدل، فظهر بعده الظلم والبدعة، وولى الوزارة بعده المأمون البطائحي.

قتلوه في رمضان، سنة خمس عشرة وخمس مائة، وله ثمان وخمسون سنة.

قال ابن خلكان في "تاريخه" قال صاحب الدولة المنقطعة: خلف الأفضل ست مائة ألف ألف دينار، ومائتين وخمسين إردبًا من الدراهم، وخمسين ألف ثوب ديباج، وعشرين ألف ثوب حرير، وثلاثين راحلة كذا وكذا، ودواة مجوهرة باثنى عشر ألف دينار، وعشرة مجالس؛ في المجلس مضروب عشرة مسامير من الذهب، على المسمار منديل مشدود فيه بدلة ثياب، وخمس مائة صندوق، فيها كسوة ومتاع، سوى الدواب والمماليك والبقر والغنم، ولبن مواشيه يباع في السنة بثلاثين ألف دينار.

قلت: هذه الأشياء ممكنة، سوى الدنانير والدراهم، فلا أجوز ذلك، بل أستبعد عشره، ولا ريب أن جمعه لهذه الأموال موجب لضعف جيش مصر، ففي أيامه استولت الفرنج على القدس وعكا، وصور وطرابلس والسواحل، فلو أنفق ربع ماله، لجمع جيشًا يملأ الفضاء، ولأباد الفرنج، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

قال أبو يعلى بن القلانسى: كان الأفضل حسن الاعتقاد، سنيًا، حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله.

قلت: وصلب البطائحي المتولي بعده سنة تسع عشرة.

ووزر بعد هلاك الآمر أمير الجيوش أبو علي أحمد بن الأفضل، وكان شهمًا مطاعًا، وبطلًا شجاعًا، سائسًا سنيًا، كأبيه وجده، فحجر على الحافظ، ومنعه من أعباء الأمور، فشد عليه مملوك للحافظ إفرنجي، فطعنه قتله، ووزر يانس الحافظي، وكان أبو علي أحمد قد بالغ في الاحتجار على الحافظ، وحول ذخائر القصر إلى داره، وادعى أنها أموال أبيه.

وقيل: إنه ترك من الخطبة اسم الحافظ، وخطب لنفسه، وقطع الأذان بحي على خير العمل، فنفرت منه الرعية، وغالبهم شيعة، فقتل وهو يلعب بالكرة، سنة ست وعشرين وخمس مائة، وجددوا البيعة حينئذ للحافظ، فمات الوزير يانس بعد ثلاث سنين، فوزر ولي العهد حسن ابن الحافظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>