للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وله فصاحة في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضرب ويصبر، أوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فطردوه، وآذوه، وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله.

ثم سكن الثغر مدة، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه شرب ماء البحر مرتين، وأخذ ينكر في المركب على الناس، وألزمهم بالصلاة، فآذوه، فقدم المهدية وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد معلق، فمتى رأى منكرًا أو خمرًا، كسر وبدد، فالتف عليه جماعة، واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.

وسار إلى بجاية، فبقى ينكر كعادته، فنفى، فذهب إلى قرية ملالة، فوقع بها بعبد المؤمن الذي تسلطن، وكان أمرد عاقلًا، فقال: يا شاب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن. قال: الله أكبر، أنت طلبتي، فأين مقصدك؟ قال: طلب العلم. قال: قد وجدت العلم والشرف، اصحبني ونظر في حليته، فوافقت ما عنده مما قيل: إنه اطلع على كتاب الجفر -فالله أعلم- فقال: ممن أنت؟ قال: من كومية. فربط الشاب، وشوقه إلى أمور عشقها، وأفضى إليه بسره، وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسى، وكان جميلًا نحويًا، فاتفقا على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مدة، ثم يجعل إظهار نفسه معجزة، ففعل ذلك، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه، وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الإنكار، فخوفوا الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نقل من الوقيعة فيه، فقد قلته، هل من ورائه أقوال، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك أن الخمر تباع جهارًا، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في الملك فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت عليهم خزائنك. فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه، ثم يسئ إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل فقير. فأخذته نخوة، وصرفه، وسأله الدعاء.

وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودى، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بتينمل، فهي يوم عنا، وهو أحصن الأماكن، فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>