الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن بن طلحة، وكاتب الإنشاء ابن الأنباري، وخرج الراشد مع غلمان داره طالبًا الموصل صحبة زنكي، فأحضر القضاة والشهود والعلماء عند الوزير أبي القاسم علي، وكتبوا محضرا فيه شهادة العدول بما جرى من الراشد من الظلم، وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر، واستفتي الفقهاء فيمن فعل ذلك، هل تصح إمامته? وهل إذا ثبت فسقه بذلك يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه ويستبدل به? فأفتوا بجواز خلعه، والاستبدال به، فوقع الاختيار مع الغد بحضور مسعود وأمرائه في دار الخلافة على عمه أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله ولقبوه بالمقتفي، وله أربعون سنة، وقد وخطه شيب، وهو أسمر، وأمه أم ولد صفراء تدعى ست السادة.
قال: ثم بلغنا أن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى مراغة، وكان معه جماعة، فصادروا أهلها، وعاثوا، ثم ذهبوا إلى همذان، فقتلوا بها، وحلقوا لحى جماعة من الفقهاء، وعتوا، ومضوا إلى نواحي أصبهان، فانتهبوا القرى، وحاصروا البلد في جمع من أجناد داود بن محمود بن محمد، فمرض الراشد مرضًا أشفى منه، بلغنا أن جماعة من العجم كانوا فراشين في خدمته؛ اتصلوا به هناك؛ دخلوا خركاهه في السابع والعشرين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين، فقتلوه بالسكاكين، وقتلوا بعده كلهم.
وقيل: كان قد سقي سمًا، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من بناء نظام الملك، وجاء الخبر إلى عمه المقتفي، فعقدوا له العزاء يومًا واحدًا.
وقال عبد الجليل كوتاه: دفن بجنب الجامع بمدينة أصبهان. قال ابن النجار: زرت قبره بجي، وهو خشب منقوش، وعليه ستر أسود، فيه كتابةٌ من إبريسم، وله فراشون وخدم، وعقبه باق إلى آخر سنة ست مائة.
قلت: لما استخلف الراشد، بعث إليه السلطان مسعود يتعنته، ويطلب منه ذهبًا كثيرًا، ثم قدم الأتابك زنكي وغيره، فحسنوا له القتال لمسعود، وكان شجاعًا، فخافوه، ثم تغير عليه زنكي فقدم الملك داود بن محمود إلى الراشد، وقصدوا السلطان مسعودًا، فسار مسعودٌ من جهة أخرى، فنازل بغداد يحاصرها، ونهب عسكره واسطًا والنعمانية، وتملك بغداد.
وقيل: إنه أخرج خط الراشد يقول: إني متى عسكرت أو خرجت، انعزلت، وبالغ علي بن طراد الوزير في ذم الراشد، وخوف القضاة من غائلته ومن جوره، فحكم القاضي ابن الكرخي بخلعه، وعاش ثلاثين سنة، ﵀ وسامحه.