ذكره اليسع في "تاريخه"، وقال: نازلت الروم المرية عند علمهم بموت ابن عياض، ولكون ابن مردنيش شابًا، ولكن عنده من الإقدام ما لا يوجد في أحد حتى أضر به في مواضع شاهدناها معه، والرأي قبل الشجاعة، وإلا فهو في القوة والشجاعة في محل لا يتمكن منه أحد في عصره، ما استتم خمسة عشر عامًا حتى ظهرت شجاعته، فإن العدو نازل إفراغة، فقرب فارس منهم إلى السور، فخرج محمد، وأبوه سعد لا يعرف، فالتقيا على حافة النهر، فضربه محمد ألقاه مع حصانه في الماء، فلما كان الغد طلب فارس من الروم مبارزته، وقال: أين قاتل فارسنا بالأمس? فامتنع والده من إخراجه له، فلما كان وقت القائلة وقد نام أبوه، ركب حصانه، وخرج حتى وصل إلى خيام العدو، فقيل للملك: هذا ابن سعد. فأحضره مجلسه، وأكرمه، وقال: ما تريد? قال: منعني أبي من المبارزة، فأين الذي يبارز? فقال: لا تعص أباك. فقال له: لا بد. فحضر المبارز، فالتقيا، فضر العلج محمدًا في طارقته، وضرب هو العلج ألقاه، ثم أومأ إليه بالرمح ليقتله، فحالت الروم بينهما، وأعطاه الملك جائزة.
ومن شجاعته يوم نوله: كان في مائة فارس، والروم في ألف، فحمل بنفسه، فاجتمعت فيه أكثر من عشرين رمحًا، فما قلبوه، ولولا حصانة عدته لهلك، فكشف عنه أصحابه، وانهزم الروم، فاتبعهم من الظهر إلى الليل، ثم هادن الروم عشر سنين.
قلت: ولليسع بن حزم في ابن مردنيش عدة تواريخ، وقال: له في المملكة خمسة وعشرون عامًا إلى تاريخنا هذا.
قلت: أحسبه تملك بعيد الأربعين وخمس مائة.
قال: ولم تزل الأيام تخدمه، وقد اهتم بجمع الصناع لآلات الحروب وللبناء والترخيم، واشتغل ببناء القصور العجيبة والنزه والبساتين العظيمة، وصاهر الرئيس القائد أبا إسحاق بن همشك.
قلت: هذا كان في أيام الملك نور الدين، ولا أذكر متى توفي، فلعله بعد الستين وخمس مائة.
نعم، قد مر في ترجمة ابن عياض أنه ابن مردنيش بقي إلى سنة ثمان وستين.