للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم -أعني الحافظ- ويكون حقيقًا به سواه. كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى.

وقال: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع، إذًا لاجتمع عليه الموافق والمخالف.

وقال لي أبو العلاء يومًا: أي شيء فتح له: وكيف ترى الناس له? قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنةً إلَّا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهة وخلواته، فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلَّا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلَّا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه.

وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني عن والده مدرس النظامية قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي، وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص، فقال: أنا رسول رسول الله إليك، رأيته في النوم، فقال: امض إلى الفراوي، وقل له: إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذك منه ضجر ولا ملل. قال: فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولًا.

قال أبو المواهب: وأنا كنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان، فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه. فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثل نفسه. فقال: لا تقل هذا، قال الله -تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]. قلت: فقد قال: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]، فقال: نعم، لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.

قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنةً من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلَّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم. قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أنه ما حملني على

<<  <  ج: ص:  >  >>