قال: وكان والدي ملازمه على قراءة القرآن والحديث. استوزره المستضيء أول ما بويع، واستفحل أمره، وكان المستضيء كريمًا رؤوفًا، وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العلم والتصوف؛ يسبغ عليهم النعم، ويشتغل هو وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان الناس معهم في بلهنية، ثم وقعت كدورات وإحن بينه وبين قطب الدين قايماز.
قلت: وقد عزل، ثم أعيد، وتمكن، ثم تهيأ للحج، وخرج في رابع ذي القعدة في موكب عظيم، فضربه باطني على باب قطفتا أربع ضربات، ومات ليومه من سنة ثلاث وسبعين، وكان قد هيأ ست مائة جمل، سبل منها مائةً، صاح الباطني: مظلوم! مظلوم! وتقرب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه، فتقدم إليه، فضربه بسكين في خاصرته، فصاح الوزير: قتلني، وسقط، وانكشف رأسه، فغطى رأسه بكمه، وضرب الباطني بسيف، فعاد وضرب الوزير، فهبروه بالسيوف، وكان معه اثنان، فأحرقوا، وحمل الوزير إلى دار، وجرح الحاجب، وكان الوزير قد رأى في النوم أنه معانق عثمان ﵁، وحكى عنه ابنه أنه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غسل الإسلام، فإنني مقتول بلا شك. ثم مات بعد الظهر، ومات الحاجب بالليل. وعمل عزاء الوزير، فقل من حضر كنحو عزاء عامي؛ إرضاءً لصاحب المخزن، ثم عمل نيابة الوزارة. وقيل: إن الوزير بقي يقول: الله! الله! كثيرًا، وقال: ادفنوني عند أبي.
وفيها -أي سنة ثلاث وسبعين- توفي أبو جعفر أحمد بن أحمد بن القاص المقرئ العابد، وأبو العباس أحمد بن محمد بن بكروس الحنبلي الزاهد، وصدقة بن الحسين ابن الحداد الناسخ الفرضي -مطعون فيه- وأبو بكر عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الخباز، وأبو الحسن علي بن الحسين اللواتي الفاسي الفقيه، والمسند محمد بن بنيمان الهمذاني، وأبو الثناء محمد بن محمد بن هبة الله ابن الزيتوني، وهارون بن العباس المأموني الأديب المؤرخ، وأبو محمد لاحق بن علي بن كاره، وأبو شاكر يحيى بن يوسف السقلاطوني، وأبو الغنائم هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي، وآخرون.