الأقطار، وكان يصحبه أبو بكر محمد بن طفيل الفيلسوف، فكان لا يصبر عنه، وسمعت أبا بكر بن يحيى الفقيه، سمعت الحكم أبا الوليد بن رشد الحفيد يقول: لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب، وجدته هو وابن طفيل فقط، فأخذ ابن طفيل يطريني، فكان أول ما فاتحني أن قال: ما رأيهم في السماء? أقديمة أم حادثة? فخفت، وتعللت، وأنكرت الفلسفة، ففهم، فالتفت إلى ابن طفيل، وذكر قول أرسطو فيها، وأورد حجج أهل الإسلام، فرأيت منه غزارة حفظ، لم أكن أظنها في عالم، ولم يزل يبسطني حتى تكلمت، ثم أمر لي بخلعة ومال ومركوب.
وزر له أخوه عمر أيامًا، ثم رفع منزلته عن الوزارة، وولى إدريس بن جامع، إلى أن استأصله سنة ٥٧٧، ثم وزر له ولده يعقوب الذي تسلطن، وكان له من الولد ستة عشر ابنًا.
وفي وسط أيامه خرج عليه سبع بن حيان ومززدغ في غمارة، فحاربهما، وأسرهما، ودخل الأندلس في سنة سبع وستين للجهاد، ويضمر الاستيلاء على باقي الجزيرة، فجهز الجيش إلى محمد بن سعد بن مردنيش، فالتقوا بقرب مرسية، فانكسر محمد، ثم ضايقه الموحدون بمرسية مدةً، فمات، وأخذ أبو يعقوب بلاده، ثم سار، فنازل مدينة وبذى، فحاصرها أشهرًا، وكادوا أن يسلموها من العطش، ثم استسقوا -لعنهم الله- فسقوا، وامتلأت صهاريجهم، فرحل، وهادن الفنش، وأقام بإشبيلية سنتين ونصفًا، ودانت له الأندلس، ثم رجع إلى السوس سنة ٥٧١ لتسكن فتن وقعت بين البربر، ثم سار في سنة ٧٥ حتى أتى مدينة قفصة، فحاصرها، وقبض على ابن الرند. وهادن صاحب صقلية، على أن يحمل كل سنة ضريبة على الفرنج، فبعث إلى أبي يعقوب تحفًا، منها قطعة ياقوت معدومة بقدر استدارة حافر فرس، فكللوا المصحف العثماني بها.
قال الحافظ أبو بكر ابن الجد: كنا عنده، فسألنا: كم بقي النبي ﷺ مسحورًا? فشكينا. فقال: بقي شهرًا كاملًا، صح ذلك. وكان فقيهًا يتكلم في المذاهب، ويقول: قول فلان صواب، ودليله من الكتاب والسنة كذا وكذا.
قال عبد الواحد: لما تجهز لغزو الروم، أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الجند، وكان هو يملي بنفسه، وكبار الموحدين يكتبون في ألواحهم. وكان يسهل عليه بذل الأموال سعة الخراج، كان يأتيه من إفريقية في العام مائة وخمسون وقر بغل. وأستنفر في سنة تسع وسبعين أهل السهل والجبل والعرب، فعبر إلى الأندلس، وقصد شنترين بيد ابن الريق -لعنه الله- فحاصرها مدةً، وجاء البرد، فقال: غدًا نترحل، فكان أول من قوض