فأما نزار، فإن عمته عملت عليه، وعاهدت الأمراء أن تقيم أخاه صبيًا، فخاف نزار، فهرب إلى الإسكندرية، وجرت له أمور وحروب، ثم قتل، وصار صباح يقول: لم يمت، بل اختفى، وسيظهر، ثم أحبل جاريةً، وقال لهم: سيظهر من بطنها، فأذعنوا له، واغتالوا أمراء وعلماء خبطوا عليهم، وخافتهم الملوك، وصانعوهم بالأموال.
وبعث صباح الداعي أبا محمد إلى الشام، ومعه جماعة، فقوي أمره، واستجاب له الجبلية الجاهلية، واستولوا على قلعة من جبل السماق.
ثم هلك هذا الداعي، وجاء بعده سنان، فكان سخطةً وبلاءً، متنسكًا، متخشعًا، واعظًا، كان يجلس على صخرة كأنه صخرة لا يتحرك منه سوى لسانه، فربطهم، وغلوا فيه، واعتقد منهم له الإلهية، فتبًا له ولجهلهم، فاستغواهم بسحر وسيمياء، وكان له كتب كثيرة ومطالعة، وطالت أيامه.
وأما الألموت فوليها بعد صباح ابنه محمد، ثم بعده حفيده الحسن بن محمد الذي أظهر شعار الإسلام، ونبذ الانحلال تقيةً، وزعم أنه رأى الإمام عليًا، فأمره بإعادة رسوم الدين، وقال لخواصه: أليس الدين لي? قالوا: بلى، قال: فتارةً أضع عليكم التكاليف، وتارةً أرفضها، قالوا: سمعنا وأطعنا، واستحضر فقهاء وقراء ليعلموهم، وتخلصوا بهذا من صولة خوارزمشاه.
نعم، وكان سنان قد عرج من حجر وقع عليه في الزلزلة الكبيرة زمن نور الدين، فاجتمع إليه محبوه على ما حكى الموفق عبد اللطيف ليقتلوه، فقال: ولم تقتلوني? قالوا: لتعود إلينا صحيحًا، فشكر لهم، ودعا، وقال: اصبروا علي، يعني ثم قتلهم بحيلة. ولما أراد أن يحلهم من الإسلام، نزل في رمضان إلى مقثأة، فأكل منها، فأكلوا معه.
قال ابن العديم في "تاريخه": أخبرني شيخ أدرك سنانًا أنه كان بصريًا يعلم الصبيان، وأنه مر وهو طالع إلى الحصون على حمار، فأراد أهل إقميناس أخذ حماره، فبعد جهد تركوه، ثم آل أمره إلى أن تملك عدة قلاع. أوصى يومًا أتباعه، فقال: عليكم بالصفاء بعضكم لبعض، لا يمنعن أحدكم أخاه شيئًا له، فأخذ هذا بنت هذا، وأخذ هذا أخت هذا سفاحًا، وسموا نفوسهم الصفاة، فاستدعاهم سنان مرةً، وقتل خلقًا منهم.
قال ابن العديم: تمكن في الحصون، وانقادوا له. وأخبرني علي بن الهواري أن صلاح الدين سير رسولًا إلى سنان يتهدده، فقال للرسول: سأريك الرجال الذين ألقاه بهم، فأشار إلى جماعة أن يرموا أنفسهم من أهل الحصن من أعلاه، فألقوا نفوسهم، فهلكوا.