وقال ابن واصل: كانت الرعية يحبونه محبةً عظيمةً شديدةً، وكانت الآمال متعلقةً بأنه يسد مسد أبيه. ولما سار أخوه الأفضل مع العادل، ونازلا بلبيس، وتزلزل، بذلت له الرعية أموالها، فامتنع.
قال ابن واصل: وحكي عنه أن عبد الكريم بن البيساني أخا القاضي الفاضل كان يتولى البحيرة مدةً، وحصل، ووقع بينه وبين أخيه، فعزل، وكان مزوجًا ببنت ابن ميسر، فأساء عشرتها لسوء خلقه، فتوجه أبوها، وأثبت عند قاضي الإسكندرية ضررها، وأنه قد حصرها في بيت، فمضى القاضي بنفسه، ورام أن يفتح عنها، فلم يقدر، فأحضر نقابًا، فنقب البيت، وأخرجها، ثم سد النقب، فهاج عبد الكريم، وقصد الأمير جهاركس بمصر، وقال: هذه خمسة آلاف دينار لك، وأربعون ألف دينار للسلطان، وأولى قضاء الإسكندرية. فأتى العزيز ليلًا، وأحضر الذهب، فسكت، ثم قال: رد عليه ماله، وقل له: إياك والعود إلى مثلها، فما كل ملك يكون عادلًا، أنا ما أبيع أهل الإسكندرية بهذا المال. قال جهاركس: فوجمت، وظهر علي، فقال: أراك أخذت شيئًا، قلت: نعم خمسة آلاف دينار، قال: أعطاك مالًا ينفع مرةً، وأنا أعطيك ما تنتفع به مرات، ثم وقع لي بإطلاق طنبذة، كنت أستغلها سبعة آلاف دينار.
قلت: تملك دمشق، وأنشأ بها العزيزية إلى جانب تربة أبيه.
وخلف ولده الناصر محمدًا، فحلفوا له، فامتنع عماه المؤيد والمعز إلَّا أن يكون لهما الأتابكية، ثم حلفا، واختلفت الآراء، ثم كاتبوا الملك الأفضل من مصر، فخرج من صرخد إليهم في عشرين راكبًا. ثم جرت أمور، وأقبل العادل، وتمكن، وأجلس ابنه الكامل، وضعف حال الأفضل، وعزل الناصر، وانضم إلى عمه بحلب.