للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقرئ القرآن والعلم، فإذا فرغوا اشتغل بالصلاة، فسألت الشيخ موفق الدين عنه، فقال: كان من خيار أصحابنا، وأعظمهم نفعًا، وأشدهم ورعًا، وأكثرهم صبرًا على التعليم، وكان داعية إلى السنة، أقام بدمشق مدة يعلم الفقراء ويقرئهم، ويطعمهم، ويتواضع لهم، كان من أكثر الناس تواضعًا، واحتقارًا لنفسه، وخوفًا من الله، ما أعلم أنني رأيت أشد خوفًا منه، وكان كثير الدعاء والسؤال لله، يطيل السجود والركوع، ولا يقبل ممن يعذله، ونقلت له كرامات.

ثم قال الضياء: لم أر أحدًا أحسن صلاة من ولا أتم، بخشوع وخضوع، قيل: كان يسبح عشرًا يتأنى فيها، وربما قضى في اليوم والليلة صلوات عدة، وكان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، وكان إذا دعا كان يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه، وكان يمضي يوم الأربعاء إلى مقابر باب الصغير عند الشهداء، فيدعو ويجتهد ساعة طويلة.

ومن دعائه المشهور: "اللهم اغفر لأقسانا قلبًا، وأكبرنا ذنبًا، وأثقلنا ظهرًا، وأعظمنا جرمًا".

وكان يدعو: "يا دليل الحيارى، دلنا على طريق الصادقين، واجعلنا من عبادك الصالحين".

وكان إذا أفتى في مسألة، يحترز فيها احترازًا كثيرًا.

قال: وأما زهده، فما أعلم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض لها، ولا نافس فيها، وما علمت أنه دخل إلى سلطان ولا وال، وكان قويًا في أمر الله، ضعيفًا في بدنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أمارًا بالمعروف، لا يرى أحدًا يسيء صلاته، إلَّا قال له وعلمه.

قال: وبلغني أنه أتى فساقًا، فكسر ما معهم، فضربوه حتى غشي عليه، فأراد الوالي ضربهم، فقال: إن تابوا ولازموا الصلاة، فلا تؤذهم، وهم في حل، فتابوا.

قال الضياء: سمعت خالي موفق الدين يقول: من عمري أعرفه -يعني: العماد- ما عرفت أنه عصى الله معصية.

وسمعت الإمام محاسن بن عبد الملك يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر.

ثم قال الضياء: أعرف وأنا صغير أن جميع من كان في الجبل يتعلم القرآن كان يقرأ على العماد، وختم عليه جماعة، وكان يبعث بالنفقة سرًا إلى الناس، ويأخذ بقلب الطالب، وله بشر دائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>