للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: جرى له ولابنه منكوبرتي عجائب وسير، وذلك عندي في مجلد ألفه النسوي كاتب الإنشاء.

قال الموفق: وكان الشيخ شهاب الدين السهروردي لما ذهب في الرسالة خاطب خوارزم شاه محمدًا بكل قول، ولاطفه، ولا يزداد إلَّا عتوًا، ولم يزل الناصر في عز وقمع الأعداء، ولا خرج عليه خارجي إلَّا قمعه، ولا مخالف إلَّا دمغه، ولا عدو إلَّا خذل، كان شديد الاهتمام بالملك، لا يخفى عليه كبير شيء من أمور رعيته، أصحاب أخباره في البلاد، حتى كأنه شاهد جميع البلاد دفعة واحدة، كانت له حيل لطيفة، وخدع لا يفطن إليها أحد، يوقع صداقة بين ملوك متعادين، ويوقع عداوة بين ملوك متوادين ولا يفطنون.

إلى أن قال: ولما دخل رسول الله صاحب مازندران بغداد كانت تأتيه كل صباح ورقة بما فعل في الليل فصار يبالغ في التكتم، واختلى ليلة بامرأة فصبحته ورقة بذلك، فتحير، وخرج لا يرتاب أن الخليفة يعلم الغيب.

قلت: أظنه كان مخدومًا من الجن.

قال: وأتى رسول خوارزم شاه الرسالة مخفية وكتاب مختوم، فقيل: ارجع فقد عرفنا ما جئت به! فرجع وهو يظن أن الناصر ولي لله. وجاء مرة رسول لخوارزم شاه فحبس أشهرًا ثم أعطي عشرة آلاف دينار فذهب وصار مناصحًا للخليفة. وبعث قاصدًا يكشف له عسكر خوارزم شاه، فشوه وجهه وتجانن، وأنه ضاع حماره، فسخروا منه، وضحكوا، وتردد بينهم أربعين يومًا، ثم رد إلى بغداد، وقال: القوم مائة وتسعون ألفًا، يزيدون ألفًا أو ينقصون.

وكان الناصر إذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع؛ وصل رجل ببغاء تقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ هدية للناصر، فأصبحت ميتة وحزن فأتاه فراش يطلب الببغاء فبكى، وقال: ماتت. قال: عرفنا، فهاتها ميتة، وقال: كم كان أملك? قال: خمس مائة دينار، قال: خذها فقد بعثها إليك أمير المؤمنين، فإنه عالم بأمرك منذ خرجت من الهند! وكان صدرجهان قد قدم بغداد في جمع من الفقهاء، فقال واحد منهم عن فرسه: لا يقدر الخليفة أن يأخذها مني؛ قال ذلك في سمرقند، وعرف الناصر فأمر بعض الزبالين أن يتعرض له ويضربه ويأخذ الفرس منه ببغداد، ويهرب بها في الزحمة، ففعل، فجاءه الفقيه إلى الأبواب يستغيث ولا يغاث، فلما رجعوا من الحج خلع على صدرجهان وأصحابه سوى ذلك الفقيه، ثم بعد خلع عليه، وقدمت له فرسه وعليها سرج مذهب، وقيل له: لم يأخذ فرسك الخليفة، إنما أخذها زبال، فغشي عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>