قرأت بخط ابن المجد، قال: بقي في نفسي عند سفري من بغداد سنة ثلاثين أنني قادم بلا شيخ يروي "صحيح البخاري" … ، ثم أنه ذكر قصة ابن روزبة، وأنه سفره سنة ٦٢٦، وأعطوه خمسين دينارًا من عند الملك الصالح، فلما وصل إلى رأس عين أرغبوه فقعد وحدثهم بـ "الصحيح"، ثم أرغبوه في حران، فرواه لهم، ثم بحلب كذلك، وخوفوه من حصار دمشق، فرجع إلى بغداد، قال: فأتيته وقد ذاق الكسب فاشتط واشترط أمورًا، فكلمنا ابن القطيعي فاشترط مثل ذلك، فمضيت إلى أبي عبد الله ابن الزبيدي، وأنا لا أطمع به، فقال: نستخير الله، ثم قال: لا تعلم أحدًا، وحرضه على التوجه ابنه عمر، وكان على الشيخ دين نحو سبعين دينارًا، فرافقناه فكان خفيف المؤونة كثير الاحتمال، حسن الصحبة، كثير الذكر، فنعم الصاحب كان.
قلت: فرح الأشرف صاحب دمشق بقدومه، وأخذه إلى عنده في أثناء رمضان من العام، وسمع منه "الصحيح" في أيام معدودة، وأنزله إلى دار الحديث، وقد فتحت من نحو شهر، فحشد الناس وازدحموا، وسمعوا الكتاب، ثم أخذه أهل الجبل، وسمعوا منه الكتاب و"مسند الشافعي"، واشتهر اسمه، ورد إلى بلده، فقدم متعللًا، وتوفي إلى رحمة الله في الثالث والعشرين من صفر، سنة إحدى وثلاثين وست مائة.