ثم إن الجواد تماهن وأعطى دمشق للصالح، وجرت أمور وظفر الناصر بالصالح، وبقي في قبضته أشهرًا، ثم ذهب معه على عهود ومواثيق فملكه مصر ولم يف له الصالح عجزًا أو استكثارًا؛ فإنه شرط أن تكون له دمشق وشطر مصر وأشياء.
ومن حسنات الناصر أن عمه أعطى الفرنج القدس فعمروا لهم قلعة فجاء الناصر ونصب عليها المجانيق وأخذها بالأمان وهد القلعة، ونظف البلد من الفرنج.
ثم إن الملك الصالح أساء إلى الناصر، وجهز عسكرًا فشعثوا بلاده، وأخذوا منها، ولم يزل يناكده وما بقي له سوى الكرك، ثم حاصره في سنة ٦٤٤ فخر الدين ابن الشيخ أيامًا وترحل، وقل ما بيد الناصر، ونفذ رسوله الخسروشاهي من عنده إلى الصالح، ومعه ابنه الأمجد أن يعطيه خبزًا بمصر ويتسلم الكرك فأجابه، ومرض، فانثنى عزم الناصر، وضاق الناصر بكلف السلطنة فاستناب ابنه عيسى بالكرك، وأخذ معه جواهر وذخائر، فأكرمه صاحب حلب، ثم سار إلى بغداد فأودع تلك النفائس عند المستعصم وهي بنحو من مائة ألف دينار، فلم يصل إلى شيء منها.
وبعد تألم الأمجد وأخوه الظاهر لكون أبيهما استناب عليهما المعظم عيسى مع كونه ابن جارية، وهما فأمهما بنت الكامل، وكانت أمهما محسنة إلى الملك الصالح أيام اعتقاله بالكرك، لأنه أخوها، فكان هذان يحبانه، ويأنس بهما، فاتفقا مع أمهما على القبض على المعظم، ففعلا، واستوليا على الكرك، وسار الأمجد بمفاتيحها إلى الصالح، وتوثق منه فأعطاه خبزًا بمصر، وتحول إلى باب الصالح بنو الناصر فأقطعهم، وعظم هذا على الناصر لما سمع به فاعتم الصالح أن مات، وانضم الناصر إلى الناصر لما تسلطن بالشام، فتمرض السلطان، فبلغه أن داود تكلم في أمر الملك فحبسه بحمص مدة، ثم جاءت شفاعة من الخليفة فأطلق فسار في سنة ثلاث وخمسين إلى بغداد ليطلب وديعته، فما مكن من العبور إلى بغداد، فنزل بالمشهد، وحج وتشفع بالنبي ﷺ منشدًا قصيدة، ثم إنه مرض بدمشق ومات، ودفن بالمعظمية عند أبيه.
وقد روى عنه الدمياطي في "معجمه"، فقال: أخبرنا العلامة الفاضل الملك الناصر.
قلت: مات في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وست مائة، مات بطاعون ﵀، وشيعه السلطان من البويضاء، وحزن عليه، وقال: هذا كبيرنا وشيخنا، وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده.