للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجارتها بعقود مستأنفة وإن شرط الواقف أن لا يستأنف، كما أفتى به ابن الصلاح رحمه الله؛ لأن المنع حينئذ يفضي إلى تعطيله، وهو مخالف لمصلحة الوقف، ووافقه السبكي والأذرعي إذا كان في عقد واحد لا العقود المستأنفة (١).

القول الثاني: أنه إن منع الواقف زيادة التأجير عن السنة فإن شرطه واجب الاتباع، إذ إنهم يرونه محققا لمصلحة الوقف عندئذ، أما إن منع التأجير مطلقًا فلا يتبع هذا الشرط، حيث إنه يكون عندئذ حجرًا على مستحقي منفعة الوقف، وهو البعض فقهاء الشافعية (٢).

وهناك اتجاهات أخرى تتجلى من خلال فقه المذاهب الأخرى؛ كالظاهرية؛ إذ بعد استقصاء المحلى للإمام ابن حزم الظاهري يمكن أن يُستفاد رأي الإمام من خلال المسألة رقم (١٦٥٧) التي يذكر فيها أنه: "ومن حبس وشرط أن يباع إن احتيج صحَّ الحبس؛ لما ذكرنا من خروجه بهذا اللفظ إلى الله تعالى، وبطل الشرط؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى، وهما فعلان متغايران، إلا أن يقول: لا أحبس هذا الحبس إلا بشرط أن يباع؛ فهذا لم يحبس شيئًا؛ لأن كل حبس لم ينعقد إلا على باطل فلم ينعقد أصلًا" (٣)، وقد يستفاد من هذه المسألة أن الشرط إن لم يتناف حقيقة مع الوقف فإنه صحيح ويتحقق معه الوقف، أما الشرط الذي يخالف حقيقة الوقف وهو حبس الأصل وتسبيل الثمرة؛ فإنه باطل، ولا ينعقد معه الوقف أصلا، والإجارة ليست كالبيع، فتصح عندئذ، والله العالم بمقاصد الأقوال وغوامض الآراء.


(١) (٦) انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، ٢/ ٣٨٥.
(٢) انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، ٤/ ٣٩٥، والوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، دار السلام - القاهرة، ط ١، ١٤١٧ هـ.، ٤/ ٢٤٩.
(٣) المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الفكر - بيروت، د، ط، د. ت، ٨/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>