للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غيرهم (١)، وهذا يخرج عما نحن بصدده في هذه المسألة، إذ إننا نتناول هنا حالة النقصان الفاحش، وقد اختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: يرى الفسخ والضمان: وذهب إليه الحنفية، والمالكية، والشافعية، والظاهرية، والزيدية:

فالحنفية يرون أن الإجارة تفسد عندهم، ويجب على القاضي إذا رُفع ذلك إليه أن يبطل الإجارة، إلا إذا اقتضت الضرورة إجارته بهذا الغبن الفاحش (٢)، وعندهم أيضًا أن الواقف إذا آجر بالأقل مما لا يتغابن الناس فيه لم تجز، ويبطلها القاضي، فإن كان الواقف مأمونًا وفعل ذلك عن طريق السهو لا بقصد فإنه لا يعزل، بل يقره القاضي في يده، ولكن يأمره بالإجارة بالأصلح، وإلا أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه، وتجوز عندهم أيضًا الإجارة بالأقل إذا كانت للضرورة، ومن صور الضرورة هنا إذا كانت العين غير مرغوب في إجارتها إلا بالأقل، أو إذا أصيب الوقف بنائية، أو كان عليه دين، أو كان الدار عليها مرصد، والمرصد هو دين على الوقف ينفقه المستأجر لعمارة الدار لعدم مال حاصل في الوقف؛ ففي مثل حالات الضرورة هذه ومثيلاتها تجوز الإجارة بالأقل، أما في حال لا توجد فيه ضرورة معتبرة شرعًا فإن المستأجر يلزمه تمام أجرة المثل (٣).

وفقهاء المالكية ذهبوا إلى أنه إذا أجَّر الناظر العين الموقوفة بدون أجرة المثل فإنه يضمن تمام أجرة المثل إن كان مليًا، وإلا رجع على المستأجر لأنه مباشر، وكل من رجع عليه لا يرجع على الآخر، هذا إذا كان المستأجر لا يعلم بأن الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل، فإن كلا منهما ضامن فيبدأ به، وبناء على ذلك فلو وقعت الإجارة بما هو أقل من أجرة المثل، ثم زاد شخص آخر ما يبلغ أجرة المثل؛ فإن إجارة الأول


(١) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٦٠٨، وحاشية العدوي على شرح الخريشي على مختصر سيدي خليل، الإمام أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، ط ٢، ١٣١٧ هـ، ٧/ ٩٩. وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي الحنبلي، ٤/ ٢٦٩.
(٢) انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف، ٢٠٥، والبحر الرائق، ابن نجيم، ٥/ ٢٥٦.
(٣) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>