للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان اللبثي ومالك والشافعي وأصحابهما: لا تنتفي إلا ببرهان، قلنا: صدقتم، ما احتجوا به أن قالوا: عقد الإجارة قد صحَّ، فلا يجوز أن ينتقض إلا ببرهان، قلنا: صدقتم، وقد جئناكم بالبرهان، وقالوا: فكيف تصنعون في الأحباس؟ قلنا: رقبة الشيء المحبس لا مالك لها إلا الله، وإنما المحبس عليهم المنافع فقط؛ فلا تنتقض الإجارة بموت أحدهم، ولا بولادة من يستحق بعض المنفعة، لكن إن مات المستأجر انتقضت الإجارة؛ لما ذكرنا من أن عقده قد بطل بموته ولا يلزم غيره؛ إذ النهى من القرآن قد أبطل ذلك بقوله عز وجل: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}، فإن قالوا: قد ساقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر اليهود وملكها للمسلمين، وبلا شك فقد مات من المسلمين قوم ومن اليهود قوم والمساقاة باقية، قلنا: إن هذا الخبر حق، ولا حجة لهم فيه، بل هو حجة لنا عليهم؛ لوجوهٍ أربعةٍ:

أولها: أن ذلك العقد لم يكن إلى أجل محدود، بل كان مجملًا، يخرجونهم إذا شاءوا، ويقرونهم ما شاءوا، وليست الإجارة هكذا.

والثاني: إنّه إن كان لم ينقل إلينا تجديد عقده - صلى الله عليه وسلم - أو عامله الناظر على تلك الأموال مع ورثة من مات من يهود وورثه من مات من المسلمين، فلم يأت أيضًا ولا نُقل أنه اكتفى بالعقد الأول من تجديد آخر؛ فلا حجة لهم فيه ولا لنا، بل لا يشك في صحة تجديد العقد في ذلك.

والثالث: أنهم لا يقولون بما في هذا الخبر، ومن الباطل احتجاج قوم بخبر لا يقولون به على من يقول به، وهذا معكوس.

والرابع: أن هذا الخبر إنما هو في المساقاة والمزارعة، وكلامنا هنا في الإجارة، وهي أحكام مختلفة، وأول من يخالف بينهما، فالمالكيون والشافعيون المخالفون لنا في هذا المكان فلا يجيزان المزارعة أصلًا قياسًا على الإجارة، ولا يريان للمساقاة حكم الإجارة، فمن المحال ألا يقيسوا الإجارة عليهما وهم أهل القياس، ثمّ يلزموننا أن نقيسها عليها ونحن نُبطل القياس (١).


(١) انظر: المحلى، ابن حزم، ٨/ ١٨٤ - ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>