للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى وقت الفسخ، فالإجارة هنا منتقضة؛ لأن المستأجر إنما أجرها لغيره فالإجارة جائزة، كما لو أن رجلًا قد وكلَّه آخر ليستأجر لآخر دارًا فمات الوكيل؛ فإن الإجارة جائزة إلى الأبد (١).

وقال ابن حزم من الظاهرية في المحلى، وموت الأجير، أو موت المستأجر، أو هلاك الشيء المستأجر، أو عتق العبد المستأجر، أو بيع الشيء المستأجر من الدار أو العبد أو الدابة .. أو غير ذلك، أو خروجه عن ملك مؤجره بأي وجه خرج .. كل ذلك يبطل عقد الإجارة فيما بقي من المدة خاصة قلَّ أو كثر، وينفذ العتق والبيع والإخراج عن الملك بالهبة والإصداق والصدقة؛ برهان ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} (٢)، وقول رسول الله: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام"، وإذا مات المؤجر فقد صار ملك الشيء المستأجر لورثته أو للفقراء، إنما استأجر المستأجر منافع ذلك الشيء، والمنافع إنما تحدث شيئًا بعد شيء، فلا يحل له الانتفاع بنافع حادثة في ملك من لم يستأجر منه شيئًا قط، وهذا هو أكل المال بالباطل جهارًا، ولا يلزم الورثة في أموالهم عقد ميت قد بطل ملكه عن ذلك الشيء، ولو أنه آجر منافع حادثة في ملك غيره لكان ذلك باطلًا بلا خلاف، وهذا هو ذلك بعينه، وأما موت المستأجر فإن كان عقد صاحب الشيء معه لا مع ورثته؛ فلا حق له عند الورثة، ولا عقد له معهم، ولا ترث الورثة منافع لم تُخلق بعد ولا ملكها مورثهم قط، وهذا في غاية البيان، وهو قول الشعبي وسفيان الثوري والليث بن سعد وأبي حنيفة وأبي سليمان وأصحابهما، ومطرف ابن أَبِي شيبة، نا عبد الله بن أدريس الأودي، عن طمطرف بن طريف، عن الشعبي قال: ليس لبيت شرط، ومن طريف ابن أَبِي شيبة، نا عبد الصمد (هو ابن عبد الوارث) عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحكم بن عتيبة .. فيمن آجر داره عشر سنين فمات قبل ذلك؛ قال: تنتفي الإجارة، وقال مكحول: قال ابن سيرين وأياس بن معاوية: لا تنتقض، وقال


(١) انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، ٢/ ١٢٢، وأحكام الوقف، هلال بن يَحْيَى بن سلمة، ٢١٤ - ٢١٥.
(٢) سورة الأنعام، آية ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>