للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن بطال: "الإشهاد واجب في الوقف، ولا يتم إلَّا به، وقال المهلب: إذا لم يبين الحدود في الوقف، إنما يجوز إذا كانت الأرض معلومة يقع عليها، ويتعين به كما كان بيرحاء وكالمخراف معينًا عند من أشهده، وعلى هذا الوجه تصح الترجمة، وأما إذا لم يكن الوقف معينًا، وكانت له مخاريف وأموال كثيرة فلا يجوز الوقف إلا بالتحديد والتعيين، ولا خلاف في هذا" (١).

هذا وتجدر الإشارة إلى أن مذهب الإمام أبي حنيفة هو أكثر المذاهب اهتماما بعلم التوثيق، والذي يعرف أيضًا بعلم الشروط (٢)، بل مذهبه أسبق المذاهب إليه، فقال السرخسي: "وأبو حنيفة رحمه الله - سبق العلماء - رحمهم الله - ببيان علم الشروط، وبذلك يستدل على أن مذهبه أقوى المذاهب" (٣)، وقال حاجي خليفة في كشف الظنون: "ذكر الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة: أن الشروط لم يسبقه إليه أحد (٤).

وقال السرخسي: "اعلم بأن علم الشروط من آكد العلوم، وأعظمها صنعة، فإن الله تعالى أمر بالكتاب في المعاملات، فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (٥)، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالكتاب في المعاملة بينه وبين من عامله، وأمر بالكتاب فيما قلد فيه عماله من الأمانة وأمر بالكتاب في الصلح فيما بينه وبين المشركين، والناس تعاملوه من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعلم الشرط، فكان من آكد العلوم وفيه المنفعة من أوجه: أحدها:


(١) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤/ ٥٩.
(٢) انظر: مفتاح السعادة، طاش كبرى زاده، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٠٥، ٢/ ٥٥٧، وأبجد العلوم، صديق حسن خان، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢/ ٣٢٩.
(٣) المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، ٣٠/ ١٦٨.
(٤) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد الله كاتب جلبي القسطنطيني المشهور باسم حاجي خليفة، نشر مكتبة المثني، بغداد، ١٩٤١ م، ٢/ ١٠٤٦.
(٥) سورة البقرة، آية ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>