للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن نهضتنا العلمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية مدينة إلى حد كبير للوقف وما قدمه من خدمات أسهمت في محاربة الفقر والجهل والمرض، وحفظت كرامة الإنسان، بل حوَّل الطبقات التي كانت تعيش على هامش الحياة من ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والمساكين إلى صُنَّاع للحياة والحضارة، كما لا يوجد إقليم من الأقاليم التي دخلها الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو مدين للوقف في تنويره بتعاليم الدين الحنيف.

وكذلك لا يوجد عالم يشار له بالبنان إلا وهو مدين للوقف الذي وفَّر له الظروف المناسبة للإبداع؛ من كتاتيب، ومدارس ومكتبات منظمة، تنفق على طلبة العلم بسخاء، بل إن العجماوات لو نطقت لأثنت على ما قدمه لها الوقف من خدمات حفظت حياتها وحقوقها بتوفير الطعام، والعلاج، والمأوى، وبعبارة أخرى كان الوقف يمثل تيارا عاما في حضارتنا الإسلامية، لم يقتصر على إقليم دون آخر، بل انتشرت فاعليته مع انتشار الإسلام، وغدا لكل إقليم من الأقاليم نكهته الخاصة في أعمال البر والإحسان التي تلبي حاجياته (١).

وخلال هذا التمهيد التاريخي نستعرض رحلة الوقف عبر العصور، نختار منها نماذج على سبيل المثال، لتتكامل معالم الصورة الحضارية لمؤسسة الوقف لدى الأجيال المسلمة، ولتُلُقِي بعض الأضواء على جهود الأمة - حكاما ومحكومين في تفعيل هذه المؤسسة الفريدة في نظرتها وشمولية خدماتها، وسمو رسالتها التي عُنِيَتْ بإنسانية الإنسان وكرامته، بل تعدت بخيرها إلى الطير والحيوان على حد سواء.


(١) H. A. R. Gibb and H. Bowen، Islamic Society and the West (London، Oxford
University Press، ١٩٥٧)، Vol.II، PP. ١٦٨ - ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>