للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعدُّ اعتناق الإمبراطور الروماني قسطنطين للديانة النصرانية في القرن الرابع الميلادي نقطة تحوُّل في تاريخ الوقف؛ إذ أخذت الأوقاف تتوجه للكنائس والأديرة، وأخذ رجال الدين يستثمرون تلك الأوقاف لصالح الكنيسة (١)، وأخذ أباطرة بيزنطة يتنافسون في وقف الأوقاف لصالح الكنيسة، ولعل من أعظم الأوقاف الدينية التي وقفها أباطرة بيزنطة وذويهم أوقاف والدة الإمبراطور قسطنطين "هيلانه"، التي شيدت عدة كنائس غدت محجًا للنصارى، وعلى رأسها كنيسة القيامة في القدس التي شيدتها عام ٣٣٥ م، وفي عام ٣٩٢ م شيدت امرأة رومانية كنيسة الصعود في بيت المقدس، وبنى القديس سابا "دير سابا" على مقربة من مدينة سلوان شرقي القدس عام ٢٨٤ م، وغيرها من الأوقاف الكنسية المنتشرة في الشرق والغرب (٢).

لقد طور الرومان بعد اعتناقهم للديانة النصرانية نظام الوقف، وجعلوه مؤسسة تابعة للكنيسة، وكلفوها بإدارته لصالح الطبقات الضعيفة في المجتمع، كما تشير المصادر إلى أن الإمبراطور "جستنيان" الذي حكم في القرن السادس الميلادي - قام بإلغاء الأحباس الأهلية إذا تجاوزت أربع طبقات، وأوجب تمليكها لهذه الطبقة الأخيرة؛ مراعاة للمصلحة العامة (٣).

وكان الجرمان يسمحون للمتبرع برصد كُلِّ ماله أو بعضه لأسرة معينة مدة محدودة، أو لحين انقراضها، ولم يكن من الممكن عند الجرمان بيع الأحباس أو توريثها أو هبتها، وليس لمستحقها سوى الانتفاع بريعها وثمراتها.


(١) انظر: الوقف في التشريعات القديمة، محمد بنعبد العزيز بن عبد الله، مجلة دعوة الحق، ع ٢٣١، ذو الحجة ١٤٠٣ هـ - محرم ١٤٠٤ هـ/سبتمبر - أكتوبر ١٩٨٣ م، ٧٩ وما بعدها.
(٢) انظر: الممتلكات والأوقاف المسيحية في القدس - دراسة في التراث الثقافي لمدينة القدس، فادي شامية، ٢٥٥، والفاتيكان، أسامة أمين، مجلة المعرفة، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، ع ١٠٤، ذو القعدة ١٤٢٤ هـ/ يناير ٢٠٠٤ م، ٨.
(٣) انظر: الوقف في التشريعات القديمة، محمد بنعبد العزيز بنعبد الله، ٧٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>