للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتشير المصادر إلى أن ملوك بابل في العراق كانوا يهبون بعض موظفيهم حقَّ الانتفاع ببعض أراضيهم، دون أن يملكوها أو يتصرفوا فيها ببيع أو هبة أو نحوها، وكان القانون يسمح بانتقال حق الانتفاع لهذه الأراضي إلى ورثة الموظفين بعد موتهم، بحسب الشروط الموضوعة في الاستحقاق الترتيبي (١).

وفي بلاد فارس انتشرت الأراضي والأموال الموقوفة على معابد بيوت النار، كما كانت للهنود أوقاف واسعة على معابدهم وأصنامهم المشهورة، فيذكر ابن كثير أنه كان على الصنم الأعظم "بسومنات" من الأوقاف عشرة آلاف قرية ومدينة مشهورة وقد امتلأت خزائنه أموالًا، وعنده ألف رجل يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس حجيجه، وثلاثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه، وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه (٢).

وتؤكد النقوش اليمانية أن الوقف في جنوبي الجزيرة العربية في عهد كل من دولة معين" و "سبأ" و "حمير"، وغيرها من الممالك القديمة .. كان جله على المعابد، وأن كثيرًا منها كان يهدف إلى طلب الشفاء، أو النصر، أو اتقاء الكوارث الطبيعية، مما يجعل المعابد تتوافر على أراضي شاسعة كانت تؤجر بموجب عقود مع المعبد (٣).

وتعد الكعبة المشرفة التي بناها إبراهيم - عليه السلام - وولده إسماعيل - عليه السلام - أقدم وقف عرفته العرب في قلب الجزيرة العربية، إذ جعلها إبراهيم - عليه السلام - مُصلىً عامًا للعرب على اختلاف قبائلهم، ثم جعلها العرب بعد أن بدلوا ديانة التوحيد معبدًا لأصنامهم، وأخذ العرب وغيرهم يقفون عليها الأوقاف، فكان ملك حمير "أسعد أبو كَرِب" أول مَنْ كسا الكعبة، ووقف عليها، وذلك قبل الهجرة بقرنين، كما كستها "نبيلة بنت


(١) انظر: موسوعة حضارة العالم، محمد أحمد عوف.
(٢) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، مكتبة المعرفة، بيروت، ١٢/ ٢٢ - ٢٣.
(٣) انظر: الوقف في التشريعات القديمة، محمد بنعبد العزيز بنعبد الله، ٧٧، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٧١ م، ٦/ ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>