للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر السرخسي عدة تطبيقات على ما يوقف بالفعل؛ منها: إذا جعل أرضًا له مقبرة للمسلمين، وأذن لهم أن يقبروا فيها، فيفعلون، فليس له - بعد أن يخلي بين المسلمين وبينها ويقبروا فيها إنسانًا واحدًا أو أكثر - أن يرجع فيها، ومنها: إذا جعل الواقف دارًا له خانًا للمسلمين، وخلّى بينهم وبينها، فدخلها بإذنه رجل واحد أو أكثر، ومنها: أن يكون لرجل دار بمكة المكرمة، فيخلّي بينها وبين الحجاج والمعتمرين لينزلوا فيها (١).

وذكر الدسوقي المالكي: أن لفظ "حبستُ" و"وقفتُ"، أو ما يقوم مقامهما؛ كالتخلية بَينَ مسجد وبين الناس، وإن لم يخص قومًا دون قوم، ولا فرضًا دون نفل، فإذا بنى مسجدًا، وأذن فيه للناس، فذلك كالتصريح بأنه وقف، وإن لم يخص زمانًا ولا قومًا، ولا قيد الصلاة بكونها فرضًا أو نفلًا، فلا يحتاج إلى شيء من ذلك، ويحكم بوقفيته (٢).

وقال ابن قدامة الحنبلي: وظاهر مذهب أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه؛ مثل أن يبني مسجدًا، ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة ويأذن في الدفن فيها، أو سقاية ويأذن في دخولها، فإنه قال في رواية أبي داود وأبي طالب، فيمن أدخل بيتًا في المسجد، وأذن فيه: لم يرجع فيه (٣).


(١) انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، ١٢/ ٣٣.
(٢) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، ٤/ ٨٤، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، ٦/ ٢٧.
(٣) انظر: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، ٥/ ٦٠٣، والوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخَلَّال البغدادي الحنبلي، دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٥ هـ/١٩٩٤ م، ٤٤، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، ١٦/ ٣٦٦، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، ٤/ ٢٤١ والاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، علاء الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، ١٧٠، والكافي في فقه الإمام أحمد، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي (الشهير بابن قدامة المقدسي)، ٢/ ٤٥٣ - ٤٥٤، ورؤوس المسائل الخلافية، أبو المواهب الحسين بن محمد العكبري، ٣/ ١٠٤٦، فيما انفرد به الإمام أحمد عن الشافعي، برهان الدين إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية، مكتبة عباد الرحمن، مصر، ط ١، ١٤٢٥ هـ/٢٠٠٤ م، ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>