للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن مفتاح الزيدي: "ومن فعل في شيء ما ظاهره التسبيل خرج بذلك عن ملكه؛ كنصب جسر لتمضي عليه المارة، وكذا تعليق باب المسجد" (١).

واستدل القائلون بهذا القول لذلك بأن العرف جار بذلك، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعامًا كان إذنًا في أكله، ومن ملأ خابية ماء على الطريق كان تسبيلًا له، ومن نشر على الناس نثارًا كان إذنًا في التقاطه، وأبيح أخذه، وكذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير إذن مباحٌ بدلالة الحال (٢)؛ ولأن هذا الفعل يعد بمثابة التسليم عند من يشترطه (٣).

القول الثاني: ذهب الحنابلة في رواية اختارها القاضي، والإباضية (٤)، وأكثر الإمامية إلى أن الوقف لا يحصل بالفعل مطلقًا.

قال ابن قدامة الحنبلي: "وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يصير وقفًا إلا بالقول" (٥)، وقال الكركي الجعفري: "ولا يحصل الوقف بالفعل؛ كبناء مسجد، وإن أذن في الصلاة فيه أو صُلي، ما لم يقل: جعلته مسجدًا، لا يحصل الوقف بالفعل، وإن حُفَّ بالقرائن، وكذا إذا اتخذ مقبرة، وأذن للناس فيها، أو سقاية، ويأذن في دخولها" (٦)، واستدلوا لذلك بأن الوقف عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول، كما أن له شروطًا لا تكفي فيها القرائن، ما لم يكن هناك لفظ يدل عليه كما في سائر التمليكات، والفرق بين الوقف وبين تقديم الطعام للضيف، ووضع خابية ماء على قارعة الطريق، ونثار شيء على الناس، ونحو ذلك. . أن هذه إنما تستفاد منها الإباحة، بخلاف الوقف؛ فإنه يقتضي نقل الملك (٧).


(١) شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار، أبو الحسن عبد الله بن مفتاح، ٣/ ٤٧٨.
(٢) انظر: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، ٨/ ١٩٠.
(٣) انظر: المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، ١٢/ ٢٣.
(٤) انظر: الإيضاح، عامر بن علي الشماخي، ٥/ ٢٠١.
(٥) المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، ٨/ ١٩٠.
(٦) جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين الكركي، ٩/ ١٣.
(٧) انظر: جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين الكركي، ٩/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>