للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت الأرض مواتًا أو ملكًا للإمام فأقطعها رجلًا، وهذا قول الحنفية، حيث ورد لديهم أن أغلب أوقاف الأمراء بمصر إنما هي إقطاعات، يجعلونها مشتراة صورة من وكيل بيت المال (١)، وسُئل الخصاف عن أرض أقطعها رجل فوقفها، فأجاب: إن كانت الأرض مواتًا فأقطعه إياها الإمام فالوقف جائز، وكذلك إن كانت أرضًا يملكها الإمام فأقطعها إنسانًا، وملكها إياه فوقفها فالوقف في ذلك جائز" (٢).

كما ورد لدى الإمامية أنه لا يجوز للإمام إقطاع الفرد ما يزيد على طاقته ويعجز عن استثماره، وهذا ما نصّ عليه العلّامة الحلّي في التحرير والتذكرة (٣).

فبالنسبة إلى معدن خام كالذهب، قد يرى الإمام من الأفضل أن تمارس الدولة استخراجه وإعداد الكميّات المستخرجة في خدمة الناس، ولكن قد يرى الإمام أن ذلك غير ممكن للدولة عمليًّا؛ لعدم توفر إمكانات الإنتاج الماديّة لاستخراج الكميّات الضخمة من قبل الدولة ابتداء، وحينئذٍ يرجّح أسلوبًا ثانيًا؛ وهو أن يسمح للأفراد أو للجماعات بإحياء منجم الذهب واستخراجه لتفاهة الكميات التي يمكن استخراجها، فيقرر الإمام هذا الأسلوب من الاستثمار للذهب من المصدر الطبيعي.

وقد ذكر صاحب الجواهر: لا خلاف في جواز الإقطاع في الإسلام ولا إشكال، "ضرورة كون الموات من ماله (أي من مال السلطان الذي هو المعصوم)، والذي هو مسلط عليه، مع أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم" (٤)، وقال: "فقد قطع النبي عبد الله بن مسعود الدور، وأقطع وابل بن حجر أرضًا بحضرموت، وأقطع الزبير حضر غرسه (أي عدوه)، وأقطع بلال بن الحارث العقيق" (٥).


(١) انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي المشهور بابن عابدين، ٤/ ٣٩٣ - ٣٩٤.
(٢) أحكام الأوقاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بالخصاف، ٣٤.
(٣) انظر: تذكرة الفقهاء، كتاب إحياء الموات، الشرط الخامس من شروط الإحياء، ٢.
(٤) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ٣٨/ ٥٤.
(٥) المرجع السابق، ٣٨/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>