للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرها مما يصدر منهم، ولكنا ننظر في ذلك، ونجري الأمر على ما يدل عليه لفظها لغة وشرعًا سواء أعلمنا أن الواقف قصد ذلك أم جهله، وما ذاك إلا أن من تكلم بشيء التزم حكمه، وإن لم يستحضر تفاصيله حين النطق به" (١).

وذهب الزركشي إلى أن "ما له مسمي عرفي وشرعي يُحمل عند الإطلاق على الحقيقة الشرعية أولًا، ثم العرفية" (٢).

القول الثاني: المعتبر عرف الاستعمال أو لغة المتكلم دون النظر إلى لغةٍ أو عرفٍ آخَرَيْن؛ لأن كلام الناس في عقودهم وإنشاءاتهم إنما يدل على مقاصدهم هم، فلا تكون لغة الشارع أو عرفه دليلًا على مقاصدهم. ويُقوَّى هذا أنه إذا كانت اللغة الغالبة لبلد إنما تُعرف بها مقاصد المتكلمين بها، وأنه لا يجوز أن يُفسَّر بها كلام أقلية تتكلم بغيرها؛ فكذلك ألفاظ وعقود الناس إنما تُفسر بلغتهم، أو عرف استعمالهم، وليس بلغة الشارع أو عرفه.

وهذه المسألة - في أصلها - ضرورية ظاهرة؛ ولهذا بني عليها العلماء في فهم ألفاظ الكتاب والسنة؛ فقرروا أن المعتبر في ذلك مصطلح الشارع؛ لأنه أقوى الدلالات على مراده؛ فإن لم يوجد له مصطلح فلغة العرب؛ لنزول القرآن بها؛ فإن لم توجد فعرف المخاطبين في ذلك.

مثال ذلك: لو وقف على الفقراء من يرى أن عادم بيت المثل فقير: جاز لناظر وقفه أن يُعطي مَنْ هذه صفته من ريع هذا الوقف، ولو كان حد الفقر في الشريعة لا ينطبق عليه؛ لأننا استنبطنا مراده من عرفه المطرد.

وكذلك من وَقَفَ على طلبة العلم وفي مصطلحه، أو عرفه الدارج عند الإطلاق أن العلم هو كل ما نفع الناس في دينهم ودنياهم جاز إعطاء طلاب العلوم البحتة النافعة للأمة من وقفه، ولو كان العلم في الشريعة واصطلاح الفقهاء يُطلق على علوم الكتاب والسنة.


(١) فتاوى السبكي، أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعارف، مصر، ١/ ٣٥٦.
(٢) البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، ٨٦/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>