للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن يستدل لذلك بقوله تعالى في وجوب الحفاظ على وصية الموصي: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (١) حيث دلت الآية الكريمة على وجوب الحفاظ على ما قاله الموصي وشروطه، وعلى حرمة التبديل بالإبطال، أو النقص، أو التعديل (٢) إلا إذا كان في الوصية إجحاف وظلم، فحينئذ لا بد أن يرجع الأمر إلى مصلح يتوسط بين الورثة والموصى لهم؛ للوصول إلى العدل والإنصاف؛ فقال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣) فهذه الآية استثناء مما قبلها في موضوع التبديل، وقد قال المفسرون: "الجنف بالتحريك: الخطأ، والإثم: يراد به تعمد الظلم، والمعنى: إن خرج الموصي في وصيته عن المعروف والعدل خطأ، أو عمدًا فتنازع الموصى لهم فيه، أو تنازعوا مع الورثة فينبغي أن يتوسط بينهم من يعلم بذلك، ويصلح بينهم، ولا إثم عليه في هذا الإصلاح ولو أدى إلى تبديل ما وصّى به الموصي، لأنه تبديل إلى الحق والإنصاف وإزالة للظلم والاعتساف" (٤).

فهذه الأحكام الواردة في أحكام الوصية أصل عظيم في كل الشروط والقيود، وهو أنه يجب الالتزام بها إلا إذا كان الشرط فيه الإثم والظلم والإجحاف، وهكذا الأمر بالنسبة لشروط الواقف إلا إذا كانت الشروط باطلة، أو فاسدة، أو أنها لم تعد صالحة، أو وجدت مسوغات لمخالفتها؛ كما سيأتي تفصيلها.

وقد توسع الفقهاء في لزوم احترام شروط الواقف؛ حتى قالوا: أن شرط الواقف كنص الشارع؛ حثًا منهم للواقف بالإقدام على الوقف، من حيث إن إرادته محترمة، وإن شروطه مصونة حتى بعد موته، تأكيدًا لما ورد في قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ


(١) سورة البقرة، آية ١٨٠ - ١٨١.
(٢) انظر: تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، الدار التونسية للنشر، تونس، ١٩٨٤ م، ٢/ ١٥٢.
(٣) سورة البقرة، آية ١٨٢.
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن ملا علي خليفة القلموني الحسيني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٠ م، ٢/ ١٠٨ و ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>