للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ذلك أيضا ما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوَّز إبدال المنذور بخير منه فقد روى أحمد وأبو داود والدارمي، وابن الجارود، وأبو يعلى، والبيهقي بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلًا قام يوم الفتح، فقال: يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: "صلّ ههنا"، ثم أعاد عليه، فقال: "صل ههنا"، ثم أعاد عليه، فقال: "شأنك إذن" (١).

وهناك أحاديث وآثار أخرى تدل على ذلك منها ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة شكت شكوى، فقالت: لو شفاني الله فلأخرجنَّ فلأصليَّن في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة تسلم عليها، وأخبرتها بذلك، فقالت: اجلسي، فكلي ما صنعت، وصلِّي في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا مسجد الكعبة" (٢).

قال ابن تيمية من الحنابلة: "وهذا هو مذهب عامة العلماء ... ومعلوم أن النذر يوجب عليه ما نذره لله تعالى من الطاعة، ومع ذلك فإن الشارع بيّن أن البدل الأفضل يقوم مقام هذا، وكذلك الأمر بالنسبة للحيوانات التي تجب فيها الزكاة حيث تجزئ سنٌّ أعلى من الواجب في مذهب عامة أهل العلم، فثبت أن إبدال الواجب بخير منه جائز، بل يستحب فيما وجب بإيجاب الشرع، وبإيجاب العبد، والخلاصة أن الإبدال للحاجة، أو المصلحة راجحة، ويما هو خير من الأصل جائز تظافرت عليه الأدلة المعتبرة" (٣).

وقد استدل الحنابلة على ذلك بالآثار والمعقول:

أما الآثار فمنها "أن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: انقل المسجد الذي بالتمّارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لا يزال في المسجد مصلى" (٤)، قال ابن قدامة: "وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان إجماعًا" (٥).


(١) سنن أبي داود، ٣٣٠٥، وقد صحح الحديث ابن دقيق العبد، والألباني في الإرواء الحديث، ٢٥٩٧.
(٢) صحيح مسلم، ٢/ ١٠١٢.
(٣) انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، ٣١/ ٢٤٦ و ٢٤٩.
(٤) المغني لابن قدامة، ٥/ ٦٣٢ - ٦٣٣.
(٥) المرجع السابق، ٥/ ٦٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>