للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعترض عليه أحد، بل نفذه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فكان ذلك إجماعًا؛ لأن الصحابة - رضي الله عنه - ما كانوا يسكتون لو كان ذلك غير جائز، والتأريخ شاهد على اعتراضاتهم على كلّ ما كان منكرًا حتى ولو في نظر بعضهم، فقد اعترضت المرأة على عمر حينما أراد تحديد المهر، واعترضوا على عثمان لأنه كان يتم الصلاة في الحج.

واحتج ابن تيمية أيضًا بما روى أبو حفص في المناسك عن عائشة رضي الله عنها أنه قيل لها: يا أم المؤمنين، إن كسوة الكعبة قد يداول عليها؟ فقالت: تباع، ويجعل ثمنها في سبيل الخير، فأمرت عائشة ببيع كسوة الكعبة مع أنها وقف، وصرف ثمنها في سبيل الخير، لأن ذلك أصلح للمسلمين (١).

وقد انتهى شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن بيع الوقف والتعويض بثمنه يجوز إذا كان ذلك أصلح وأنفع دون الحاجة إلى تقيد الجواز بالضرورة، أو تعطل الانتفاع بالكلية، فالمسوغ للبيع والتعويض هو نقص المنفعة وذلك يتحقق بكون العوض أصلح وأنفع، أو للحاجة التي يقصد بها هنا تكميل الانتفاع، فإن المنفعة الناقصة يحصل معها عوز يدعوها إلى كمالها فهذه هي الحاجة من مثل هذا مثلما أجيز لبس الحرير المحرم على الرجال لأجل الحكة (٢) (الحساسية).

وقد استدل كذلك بما فعله عمر وعثمان من تغيير بناء مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووجه الاستدلال بذلك أن اللبن والجذوع التي كانت وقفًا أبدلها الخلفاء الراشدون بغيرها، وهذا من أعظم ما يشتهر من القضايا ولم ينكره منكر، ولا فرق بين إبدال البناء ببناء، وإبدال العرصة بعرصة، إذا اقتضت المصلحة ذلك؛ لهذا أبدل عمر مسجد الكوفة بمسجد آخر، أبدل نفس العرصة، وصارت العرصة الأولى سوقًا للتمّارين بعد أن كانت مسجدًا، وهذا أبلغ ما يكون في إبدال الوقف للمصلحة (٣).


(١) انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ٣١/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٢) انظر: المرجع السابق، ٣١/ ٢٢٥ - ٢٢٦.
(٣) انظر: المرجع السابق، ٣١/ ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>