للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين حقوق والتزامات جهة أخرى؟ أم أنها ينظر إلى كلّ هذه الجهات كذمة واحدة، وحينئذٍ يحمل بعضها عن بعض؟

للجواب عن ذلك نقول: إن الأصل والمبدأ العام والقاعدة الأساسية هو الحفاظ على خصوصية كل وقف وكل جهة وإن كانت تحت إشراف إدارة واحدة، وذلك لضرورة مراعاة أن يكون ريع الوقف النفس الجهة التي وقف عليها الواقف، قال البهوتي: "ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة" (١)، وكذلك الأمر في حالة الالتزامات، والتعمير والبناء وذلك من خلال ترتيب هذه الجهات كصناديق خاصة لها ذمتها المالية المستقلة بقدر الإمكان.

هذا هو الأصل ما دام ذلك ممكنًا ولم يكن هناك ما يعارضه.

ويشهد لهذا الأصل القائم على التفريق الأدلةُ المعتبرةُ على ضرورة الحفاظ على الوفاء بالعقود وشروط الواقف الموافقة للكتاب والسنة، أو التي تحقق الغرض المنشود من الوقف، قال القرافي: "ويجب اتباع شروط الوقف ... لأنه ماله، ولم يأذن في صرفه إلّا على وجه مخصوص، والأصل في الأموال العصمة" (٢).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن المقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف، ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة كما يفهم مقصود الشارع (٣).

ومع هذا الأصل العام فإن الذي يظهر راجحًا هو جواز التصرف في جميع الأموال المرصودة لجهة واحدة لصالحها ولو كانت متعددة؛ كالمساجد مثلًا؛ حيث لا بدّ أن ينظر إلى جميع موقوفات المساجد الواقعة تحت إدارة الوقف كذمة واحدة حسب المصلحة الراجحة، ولكن مع تقديم مصالح الموقوف عليه من وقفه الخاص به على


(١) شرح منتهى الإرادات، ابن النجار ٢/ ٤٠٦.
(٢) الذخيرة، القرافي، ٦/ ٣٢٦.
(٣) انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، ٣١/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>