للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المصلحة تُبنى على ركيزة أخرى؛ ألا وهي العدل؛ لأن الله جل وعلا أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط؛ وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض؛ إذ قد بيَّن الله جل وعلا بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحقِّ والعدل وقيام الناس بالقسط، فأيُّ طريق استُخرج بها الحقُّ ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل، لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلَّا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها (١)؛ ولذا قال ابن القيم: "ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح .. تبيَّن له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة" (٢).

فالنظارة على الوقف إذًا تُبنى وتقوم على ركيزة المصلحة، والتي تحكمها ركيزة العدل، التي ثبت اعتبارهما في هذه الشريعة الغراء.

وقد تفطَّن فقهاء الإسلام الاهتمام الشارع الكريم بالنظارة على الوقف؛ ولذا اعتنوا فيما يتعلق في ذلك بالبحث والتحليل والاستدلال؛ لبيان ما رسمه الشارع الحكيم من حدود التصرفات النافذة للناظر على الوقف، وكيفية المحافظة على أوقاف المسلمين وتنميتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون على معنى هذا، فإن وصي اليتيم وناظر الوقف ووكيل الرجل في ماله عليه أن يتصرَّف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٣)، ولم يقل إلَّا بالتي هي حسنة" (٤).


(١) انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم مُحَمَّد بن أَبِي بكر الدمشقي، ٤/ ٣٧٣.
(٢) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَبِي بكر بن أَيُّوب بن قيم الجوزية، تحقيق: نايف بن أحمد الحمد، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط ١، ١٤٢٨ هـ، ٥.
(٣) سورة الإسراء، آية ٣٤.
(٤) مجموع الفتاوي، تقي الدِّين أَبُو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، ١٤١٦ هـ/ ١٩٩٥ م، ٢٨/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>