للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء عن الحنفية في بيان شروط وجوب الزكاة عدم اشتراط ملكية الأرض حَتَّى يثبت هذا الحق فيها، ومثل له بأرض الوقف: "وكذا ملك الأرض ليس بشرط لوجوب العشر؛ وإنما الشرط ملك الخارج، فيجب في الأراضي التي لا مالك لها، وهي الأراضي الموقوفة" (١)، فدلَّ بكلامه على ثبوت الزكاة في غلَّة الأرض الموقوفة دون قيد التعيين أو عدمه بشرط تحقق النصاب.

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والمعقول؛ كقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (٢)، وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (٣)، وقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاء، فَفِيهِ الْعُشْرِ، وَمَا سُقِيَ بالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ" (٤)؛ ولأن العشر يجب في الخارج لا في الأرض؛ فكان ملك الأرض وعدمه بمنزلة واحدة (٥).

واستثنى الحنفية من عدم ثبوت الزكاة في ريع الوقف صورة مثلوا لها بأرض الوقف العشرية، إن دفعها الناظر مزارعة أو معاملة، ومثاله ما نقله ابن مازة من المدرسة الحنفية في كتابه المحيط البرهاني، إذ قال: "أرض الوقف إذا كانت عشرية دفعها القيم مزارعة ومعاملة، فعشر جميع الخارج في نصيب الدافع، وهذا على قول أَبِي حنيفة، فإن عنده في الإجارة بالدراهم العشر على الأجر


(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، ٢/ ٥٦.
(٢) سورة البقرة، آية ٢٧٦.
(٣) سورة الأنعام، آية ١٤١.
(٤) إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي، ابن حجر العسقلاني، طبعة دار ابن كثير، دمشق ودار الكلم الطيب، دمشق: ٤/ ٤٢٨، ثمّ قال المؤلف: قال عبد الله: حدثني عثمان بن أَبِي شيبة، ثنا جرير، عن مُحَمَّد بن سالم، عن أَبِي إسحاق، عنه بهذا، قال عبد الله: فحدثت به أَبِي فأنكره، وكان لا يحدثنا عن مُحَمَّد بن سالم لضعفه عنه وإنكاره لحديثه.
(٥) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، ٢/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>