للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتفصيل مذهب الحنفية في هذه المسألة لا بد من بيان أن هذه المسألة ترجع إلى مبحث عزل الناظر نفسه، وهو ما يُعرف أيضًا بالفراغ عن الوظيفة والتنازل عنها؛ قال ابن نجيم: "ومِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ الفَرَاغُ عمن وظيفة النَّظر لرجلٍ عند القاضي" (١).

والمذهب أنه يصح إسقاط الحق في النظارة في مرض الموت إذا لم يخالف شرط الواقف؛ لأنه يصير وصيًّا عنه، أما إذا لم يكن في مرض الموت؛ بأن كان في صحة الناظر، ولم يخالف شرط الواقف، فقد صرح الحنفية بصحة الفراغ (إسقاط الحقِّ) عن النظر وغيره من الوظائف، إلا أنهم اختلفوا؛ هل يُشترط (لإسقاط الحقِّ للغير) تقرير القاضي؟ أم يكفي مجرد الفراغ له؟

وذلك على قولين:

القول الأول: ما أفتى به العلامة قاسم؛ وهو سقوط حقِّ الفارغ بمجرد إسقاطه، وإن لم يقرِّره القاضي.

القول الثاني: أنه لا بدَّ من تقرير القاضي لإسقاط الحقِّ في النظارة، وهو المذهب.

لذلك قالوا: إن ما ذكره العلامة قاسم لم يستند فيه إلى نقل، وأنه خولف في ذلك؛ وعليه فلا بدَّ من تقرير القاضي؛ قال ابن نجيم: "لو أسقط حقَّه من وظيفته وفرغ عنها لغيره من غير أن يكون بين يدي القاضي؛ لا يسقط حقُّه" (٢)، وقال ابن عابدين: "مطلب في النزول عن الوظائف: وذكر في البحر أيضًا أن المتولي لو عزل نفسه عند القاضي ينصب غيره، ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي، ومن عزل نفسه لفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها، ثم إن كان المنزول له غير أهل لا يقرِّره القاضي، ولو أهلًا لا يجب عليه تقريره، وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان


(١) البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، ٥/ ٢٥٣.
(٢) الرسائل الزينية في مذهب الحنفية (رسائل ابن نجيم)، زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم المصري الحنفي، دراسة وتحقيق: د. محمد أحمد سراج ود. علي جمعة محمد، دار السلام، القاهرة، ط ١، ١٤١٩ هـ/ ١٩٩٨ م، الرسالة الحادية والأربعون (فيما يسقط من الحقوق وما لا يسقط)، ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>