[موقف النبي صلى الله عليه وسلم في وفاة ابنه إبراهيم]
وليُعلم أن البكاء الذي لا صوت معه ولا تسخط لا يعارض الرضا؛ فأشد الناس حرصاً على رضا مولاهم هم الأنبياء، وأرضاهم وأرضى الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكى يوم مات ابنه إبراهيم رأفة ورحمة منه للولد ورقة عليه، وقلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئ بالرضا، ولسانه مشتغل بحمد الله وذكره، وهذا هو أكمل هدي وأتم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم حملته الرحمة بالطفل على البكاء، ومحبة الله على الرضا، وخير الهدْي هديُه صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيحين:{أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم، وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! قال: يا بن عوف! إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لَمحزونون}.
وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم -وأشار إلى لسانه صلى الله عليه وسلم-} وفي الصحيح -أيضاً- عن أسامة بن زيد:{أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع إليه ابن ابنته، وهو في الموت نفسه تُقعقع، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله -تعالى- في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}.