ويمضي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك، ويتخلف عنه بعض المسلمين، فيقول الصحابة:{فلان تخلف يا رسول الله! فيقول: دعوه إن يكن فيه خير فسَيُلْحِقَه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه} ويتأخر أبو ذر لأن بعيره هزيل، أبطأ به بعيره، فترك بعيره وأخذ متاعه وحمله على ظهره، وينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله على الطريق، وينظر ناظر المسلمين ويقول:{يا رسول الله! رجلٌ يمشي على الطريق وحده، متاعه على ظهره، فقال صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر كن أبا ذر فيتأمل الصحابة، فيقولون: هو والله أبوذرٍ يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده}.
وتمضي الأيام على هذه المقولة، وتمضي الأعوام، ويُنْفَى أبو ذر إلى الربذة، ويحضره الموت هناك، وليس معه إلا امرأته وغلامه، وقبل موته أوصاهما: أن يُكَفِّنَاه ويُغَسِّلاه، ويضعاه على الطريق، وأول ركب يمر بهم يقولون: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه.
ويفعلان ذلك، ويأتي عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق؛ ليعتمروا، وما راعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق، كادت الإبل أن تطأها، عندها قام غلام أبي ذر وقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فاندفع عبد الله بن مسعود باكياً يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تمشي وحدك وتموت وحدك} ثم نزل هو وأصحابه فدفنوه، ودموعهم تَهْراق على خدودهم.
وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روحٌ تسيل فتَقْطُرُ