[تفرق المسلمين إلى أحزاب وجماعات]
وجماع هذه الأسباب، بل من أعظم هذه الأسباب التي أدت إلى التأخر والتخلف: نشوء العصبيات والقوميات والوطنيات، والإقليميات.
تعلمون -أيها الإخوة- أن العرب أمةٌ مشتتةٌ مفرقة حتى جاء الإسلام فجمعها، فهل اجتمعت تحت لواء قريش؟ لا.
هل اجتمعت تحت لواء الأوس أو الخزرج؟ لا.
إنما جمعتهم ووحَّدتهم لا إله إلا الله، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:٦٣] دان الشرق والغرب كله لهذه الكلمة، وأهان ذلك الأعداء، فرأوا أن أحسن طريقٍ لبُعدنا عن ديننا نشوء العصبيات، فأنشئوا القوميات، ثم جاءوا بالوطنيات، ثم جاءوا بالإقليميات حتى أصبح أهل الوطن الواحد يتفرقون إلى شيع وأحزاب، ولا زال ينحدر كثير من الناس في هذا الطريق، ذبحونا بعشق الوطن والكلمات المائعة عن الوطن حتى قال قائلهم:
بلادك قدِّمها على كل ملةٍ ومن أجلها أفطر ومن أجلها صُم
وقال الآخر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه لنازعتني إليه في الخلد نفسي
لا إله إلا الله ما أحلمك يا رب! ما أكرمك! أيُقدَّم الوطن على الجنة؟! إنها الوطن الذي نسعى إليه، لكنه ليس لها بأهل، ولن يكون الأول والآخر ممن يتكلم بهذا، وطننا وأرضنا وسماؤنا وهواؤنا وتنفسنا هو: لا إله إلا الله، من عمل بمقتضاها فهو أخٌ حميم ولو كان عبداً حبشياً، ومن رفضها فهو عدوٌ لدودٌ ولو كان حراً قرشياً.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذبٌ تحدَّر من غمامٍ واحدِ
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
عباد الله: والجبن والخوف والهلع وحب الدنيا وكراهية الموت وترك الجهاد أدت بنا إلى ما نحن فيه من التخلف والانحطاط.
هذه -يا عبد الله- بعض أسباب الضعف والانحطاط التي حلت بالمسلمين، وغرزت فيهم الهزيمة التي استطاع الشاعر أن يعبر عنها بقوله:
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه