[أمثلة لأبواب الخير تدرك بالهمة العالية]
إن سعيد بن المسيب رحمه الله يتحدث بنعمة الله عليه في آخر حياته فيقول لابنته: [[والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين سنة، وما رأيت ظهر مُصلٍّ في الصلاة أبداً]].
بمعني: أنه في الصف الأول دائماً، وما يُلقَّاها إلا من صبر، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يُؤخرون.
عيادة المريض.
ما عيادة المريض؟
ثبت في الصحيح عن علي رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح}.
وفي حديث ثوبان: {ولم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع} ومع ذلك المنادي ينادي: {طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنة منزلاً}.
إنها الغنيمة يا أهل الغنيمة، فأين صاحب الهمة المشمر؟
فَمَا العُمرُ إلا صَفحةٌ سَوفَ تَنطوِي ومَا المَرءُ إلا زَهرةٌ سَوفَ تَذبلُ
الطواف بالبيت يا أهل البيت الحرام: ثبت في صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من طاف بالبيت أسبوعاً -يعني سبعة أشواط- كان كعتق رقبة، ولا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة} لأهل السوق ما هو خير من كل ربح يربحونه.
ثبت -أيضاً- في صحيح الجامع {أن من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتاً في الجنة}.
فهل تذكَّرنا ذلك عند دخول الأسواق؟
ما أعظم الأجر، وأيسر الأمر! والله لحسنة من هذه خير من الدنيا وحُطامها وزخارفها ولذَّاتها.
{من أنظر معسراً فله بكل يوم مثل دينه صدقة، فإذا حل الدين فأنظره، فله بكل يوم مثل دينه مرتين صدقة}.
فضل من الله ونعمة.
وثبت في صحيح الجامع: {أن فيك يابن آدم ثلاثمائة وستين عظمة -أو مفصلاً- على كل مفصل في كل يوم صدقة}.
تحتاج إلى ثلاثمائة وستين صدقة، على كل مفصل صدقة:
والكلمة الطيبة صدقة، عون الرجل أخاه صدقة، الشربة من الماء تسقيها صدقة، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أمر بالمعروف ونهي عن منكر صدقة، إرشاد الرجل في أرض الضلال صدقة، بصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، إماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة، إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، في كل كبد رطب صدقة، تسبيحة صدقة، تهليلة صدقة، تكبيرة صدقة، مَنْ عَلَّم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تُليت، ومن علمَّ علما فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل شيء، الشفاعة في غير حدود الله صدقة، اشفعوا تؤجروا، والبخيل من بخل بجاهه، ذَبُّكَ عن عرض أخيك قربة من أعظم القُرب، يَذُبُّ بها الله عز وجل النار عن وجهك، عدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل ليُحمل على دابته صدقة، ترفع متاعه على دابته صدقة، كل خطوة إلى الصلاة صدقة، كل ما تصنع لأهلك من معروف صدقة، كل قرض صدقة، كفِّ الشر عن الناس صدقة، كل معروف تقدمه لغني أو فقير صدقة، إسماع الأصم صدقة، البيان عن الأعجم صدقة، من نَفَّس عن مَدينِه أو عفا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة، من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة، من ستر مسلماً ستره الله في الدار الآخرة.
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة، إنقاذ الناس من الضلالة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور أفضل قربة: {فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النِّعم}.
وكلما كان نفع العمل متعدياً إلى الغير، كان أعظم أجراً.
ولك أن تتصور هذه الأمة اليوم، كل مسبِّح ومهلِّل وذاكر ومستغفر ومجاهد ومتصدق وحاج وصائم، كل أعمالهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثلها؛ لأنه السبب في هذه الهداية، ولأنه هو الذي حمل الخير إلى الأمة، فمن يستطيع أن يأتي بأعمال تضاهي عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يوم يأتي بعمله هو وعمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها في ميزانه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:٤] فنسأل الله من فضله.
ثبت في صحيح الجامع أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً}.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً -يعني مسجده صلى الله عليه وسلم- ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً لو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له؛ أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يُفسد الخل العسل}.
إذا الرَّوضُ أمسَى مُجدِباً في ربِيعهِ ففِي أيِّ حِينٍّ يَستنِيرُ ويُخصِب
أخي صاحب الهمة وقاصد البحر: لا تنس أن قيام الليل وتلاوة القرآن زاد يومي، لا غنى للمسلم عنه في مواجهة تكاليف الحياة وأعبائها، والدعوة إلى الله خاصة، وما ذكرته ما هو إلا أمثلة، وإلا فأبواب الخير لا حصر لها أبداً.
تَناوَلْ مِن الأَغصَانِ مَا تَستَطِيعهُ وَجاهِد عَلى الغُصنِ الذي لا تُطَاوِلُهْ
آنَ لكَ أن تقولَ بملءِ فيكَ: مضى عهد النوم.
يا مرتاد القمم! بادر واغتنم، فإنما هي خمس أو عشر سنوات، انتهز الفرصة في وقتها، وخذ الثمرة في كمال نضجها، ولا تعجل فتطلب الشيء قبل وقته فلا تدركه، وتقطف الثمرة قبل نضجها فلا تنتفع بها، فمن طلب المعالي استقبل العوالي، ومن لزم الرقاد فاته المراد، وإن لم يُثمر العود، فقطع العود أولى به.
والعَاجزُ الرأيِ مِضيَاعٌ لِفرصَتِهِ حَّتى إذَا فَاتَ أَمرٌ عَاتَبَ القَدَرَا
والراضي بالدون دنيء.
وَلَم أَرَ فِي عُيوبِ الناسِ عَيباً كَنقصِ القَادِرينَ علَى التَّمَامِ