[طلب وجه الله في العمل مهما كلف من تبعات]
يا طالب العلم! ويا قاصد بحره! انصب وجهك لله، واملأ قلبك بحب الله وخشية الله، اجعل همك مرضاة الله لا مرضاة عباد الله؛ فإنك قد تُضطر إلى إغضاب عباد الله في سبيل مرضاة الله، ولا ضير.
إن تفعل ذلك، يكفك الله مئونة الخلق.
زِن عملك بميزان مرضاة الله، فما رجحت به كفة الميزان فاقبله وارتضه، وما شالت به الكفة فأعرض عنه واجفه.
عندها تستقيم المقاييس، ويتضح أمام العين الطريق القصد، والسبيل القويم؛ في خوض لجج البحر، فلن تقع بعدها -بإذن الله- في تلك المتناقضات المضحكة السخيفة، كأن تُرى تطيع الله في أمر، وتعصيه في آخر، إذ أنه لا مجال للتناقضات ما دامت المنطلقات صحيحة، والمنهج بيناً، والمقاييس ثابتة، مرضاة الله أولاً في اتباع وآخراً.
لا لَكَ الدُّنيَا ولا أنْتَ لَها فَاجعَل الهمَّينِ همّاً وَاحِدَا
إني لأربأ بك وتربأ بنفسك -يا قاصد البحر- أن تُرى في المسجد مصلياً خاشعاً، ثم تُرى في السوق مرابِياً أو ترى في المسجد خاشعاً، ثم تُرى في البيت والشارع والمدرسة والمنتدى غير مُحكِّم لشرع الله في نفسك أو أهلك أو ولدك ومن تعول.
كيف يليق بقاصد البحر أن ينظم مركبه وبيته والحياة من حوله، ثم يترك الفوضى في قلبه ويقصد لُجج البحر؟!
تَرجُو النَّجاةَ ولمْ تسلُكْ مَسالِكَها إنَّ السفينةَ لا تجرِي على اليَبَسِ
{إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}.
وايم الله لو مرضت قلوبكم، وصحت أجسامكم، لكنتم أهون على الله من الجعلان.
فكَيف يَصنعُ مَنْ أقصاه خَالقه لا لَيسَ ينفعُه طِبُّ الأطبَّاء
مَنْ غصَّ دَاوَى بشُربِ المَاء غُصَّتَه فَكيفَ يَصنَعُ مَنْ قَد غَصَّ بالمَاءِ
إنَّ الفيصل استقامة السر: متى استقام باطنك استقامت لك الأمور، وصدَّق عندها الفعل القول، والعلانية السر، والمشهد المغيب، فإذا أنت بسَّام بالنهار، بكَّاء بالليل، كاللؤلؤة أينما كانت فحسنها معها، أو كسبيكة الذهب إن نفخت عليها النار احمرت، وإن وزنتها لم تنقص.
الحال ينطق:
دع الذي يفنى لما هو باقٍ