[الإشارة الثالثة عشرة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه]
قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم، إن من شأن الساعي على الطريق أن يقبل على كل أمر ينفعه، وأن يسلك السبل المفضية إلى ما رامه وأمله ويجتنب كل أمر يعوقه ويقطع سيره، ويتأبى بنفسه عن كل ما من شأنه أن ينزل قدره ويقضي على وقته وحياته ورأس ماله، تراه مترفعا هن اللهو واللغو قد شغل نفسه بما يفيدها في آخرتها ودنياها في حدود ما أذن الله له به فإذا عرض له في حياته أمر من اللغو أعرض عنه وأكرم نفسه عنه، إذ زمنه عنده ثمين، فلا متسع عنده للغو ولا لهو مهين، فإليك أخي المسافر العاقل على الطريق هذه اللفتة لابن القيم رحمه الله يقول فيها:(اشغل نفسك فيما يعنيك دون ما لا يعنيك فالفكر في ما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، فأياك ثم أياك أن تمكن الشيطان من أفكارك فإنه يفسدها عليك إفسادا يصعب تداركه ويلقي إليك الوسواس ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، أياك ان تعينه على نفسك بتمكينه من قلبك. فمثالك معه كمثال صاحب رحى يطحن فيها الحبوب فأته شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونك فإن طردته ولم تمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون فقد واصلت على طحن ما ينفعك، وإن مكنته من إلقاء ما معه في الطاحون أفسد عليك ما في الطاحون من الحب فخرج الطحين كله فاسدا).
فيترك ماؤكم من غير ورد ... وذاك لكثرة الأخلاط فيه
فاللبيب يفكر فيما يعنيه بل فوق ذلك قد علم أن كلامه من عمله فقل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه.
وان لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
لا خير في حشو الكلام ... إذا اهتديت إلى عيونه
والصمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه
يقول إبن عباس رضي الله عنهما: لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الزور ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فأعنته.