للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نموذج من ثبات داعية معاصرة]

المرأة المسلمة على ثغرة عظيمة، فاللهَ اللهَ أن تؤتى البيوت من قِبَلِك.

واللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك.

واللهَ اللهَ أن يؤتى أبناء المسلمين من قبلك.

هاهي مَثَل لك؛ لأن الخير يستمر في الأمة إلى قيام الساعة والأمثلة كثيرة في هذا العصر والذي قبله.

هاهي بنان الطنطاوي؛ ابنة الشيخ الوقور علي الطنطاوي غفر الله لنا وله، وتجاوز عنا وعنه؛ زوجة عصام العطار علمت مسئولية الزوجة في البيت، وآمنت بربها، ودعت بما تستطيع، وهيأت لذلك الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل.

انطلق يرد الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الغواية إلى الهدى والهداية، فأغاظ ذلك المنافقين، والذين يَشْرَقُونَ بالنور، والذين ما يعيشون إلا في الظلام، فما كان منهم إلا أن سجنوه في سجن من السجون، فأرسلت إليه رسالة، فما فحوى هذه الرسالة يا أيتها الداعية، يا أيتها المعلِّمة، يا أيتها المتعلِّمة؟

اسمعي إلى هذه الرسالة ماذا تقول لزوجها وهو في سجنه.

تقول له: لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا -والله- لا نطلب منك شيئاً يخصُّنا، وإنما نطلبك بالموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم.

انظري إلى هذه الكلمات، كيف وقفت معه وهو بعيد عنها، وقفت معه لأنها تعلم أنها على ثغرة وأنَّ ثغرةً ذهبت فسدَّت تلك الثغرة.

ثم يشاء الله أن يخرج من ذلك السجن ليُشرَّد في ديار الغرب، وما أُخرج وما نُقِم منه إلا أن قال: ربي الله، واعتز بدينه ومبادئه، شُرِّد في بلاد الغرب، ويبتليه الله عز وجل هناك أيضاً ليرفع درجته بإذن الله عز وجل، ويوم ابتلاه الله عز وجل هناك بكونه يعيش بين الكفار، وكونه مشرداً عن أهله وغيرهم، يُبتلى بالشلل، يُشلُّ في ديار الغرب، لا أهل، ولا صاحب، ولا صديق، لكن له الله الذي أُخْرِج من أجله، وله الله الذي سُجِنَ من أجله، وله الله الذي دعا من أجله، فماذا فعلت هذه الزوجة؟

بعيدة عنه، بعيدة بجسمها لكن قلبها معه، وروحها معه، هدفها وهدفه واحد؛ وهو نشر دين الله، ولقاء الله، والتعامل مع الله عز وجل، كتبت إليه رسالة هناك، وقالت: لا تحزن يا عصام! ولا تأس، يرفع الله من يبتليه، إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا، الله معك ولن يَتِرَك، ولن يضيع لك ما أنت فيه، ثم تنطلق بعد ذلك لتلحق به في ديار الغرب إلى هناك لا لتجلس بجانبه تندب حظَّها، ولا لتجلس بجانبه وتقول: جَنَت الدعوة عليه، وإنما لتجلس بجانبه هناك لتأخذ أفكاره، وتأخذ علمه، فيكتب هو بيدها، ويسير بقدمها، فتنشئ مركزاً إسلامياً في ديار الكفر، فلا إله إلا الله! كم من تائبة تابت على يديها هناك، وكم من ضالة كافرةٍ لا تعرف شيئاً إلا الحياة البهيمية ردها الله على يد بنان الطنطاوي، وهي هناك مع زوجها تستشيره ليعطيها المعلومات فتنطلق، ويأبى أولئك الذين يَشْرَقُون بهذا الدين أن يروا للخير قولة أو جولة، ويأتي ثلاثة رجال يبحثون عن ذلك المشلول في تلك البلاد، وما أن دلُّوا على شقته، حتى جاءوا فاقتحموها، وتقدموا إلى هذه الداعية المسكينة -امرأة في بيت غربة، وبعيدة، لكن معها الله الذي قدمت نفسها له- فإذا بها يُطلق عليها خمس رصاصات؛ في العنق، وفي الكتف، وفي الإبط، لتسقط مضرجة بدمائها.

أسأل الله أن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى.

وأسأل الله أن يكتب لها ولمن بعدها من أهلها النعيم المقيم السرمدي الأبدي الذي لا يزول، وأسأل الله أن يوقظ في بنات المسلمين ومعلمات ومتعلمات المسلمين نماذج مثل تلك النماذج، وأَعْظَمَ من تلك النماذج.

إن الأمة تنتظر منك الكثير والكثير.