[الثمرة المرجوة من هذا المقصد]
اقصد البحر وخلِّ القنوات: هي دعوة للعمل بشرع الله وله، من غير ما زيادة ولا نقصان، مع هجرٍ لقنوات التَّفلت والتَّميع والتَّجاوز، بل وسطية في اتزان؛ أوجهها لنفسي أولاً، وللمسلمين ثانياً؛ علَّها تُحرك القلوب إلى علام الغيوب، وتحدو النفوس للعمل لما يرضي الملك القدوس.
هي مع ذلك صرخةٌ وحُداء؛ صرخة تهتف: أن أغلق باب الدعة والسكون والراحة، وافتح على المصراعين باب العمل بهمة وطُموح في اتزان وبصيرةٍ، وانْزِل السَّاحة، والأهم فالأهم تكن الراحة.
أن أغلق باب الكرى، وافتح باب النَّصب والعمل، رقياً مشروعاً مع أولي النُّهى، أَمِط عن رأسك قناع الغافلين، ولا تتجاوز الحد في المشروع تكن مع الهالكين، سِر بخُطى ثابتة في الميدان، ولا تَغربَنَّ عليك الشمس وأنت لازلت في تواكل أو توان، سَدِّد وقارب، فما النَّاس -وأنا وأنت منهم- إلا كإبل مائة هُزَال مترنحة مسترخية، ولا تكاد تجد فيها راحلة.
يثْقلون الأرضَ من كثرتهم ثمَّ لا يُغْنون في أمرٍ جَلل
ومُختار القليل أقل منه!
غريب -يا أيُّها الأحبة- غريب!
أتُختار الحياض وماؤها غُثاء وبحر الدين تصفو مناهله؟
فِرَّ في اعتدال إلى الله، واصبر على اللأواء والموعد الله.
لا لؤلؤ البحرِ ولا أصدافه إلا وراء الهَوْل مِنْ عُبابه
وهي كذلك -أعني هذه الكلمات- حُداء سريع لجميع الأطراف، أطوِّف فيه تطوافاً حثيثاً كأشواط الرّمْل في طواف القدوم أُرَدد فيها:
أيُّها الساعي لكحْل المُقَلِ غافلاً عمَّا به من كَحَلِ
اسْمعْ وعِ لا تَغْفلنْ وسَبباً لا تُهْمِلَنْ
وأخْلِصْ اتْبَع تَنْجُون مَع الدَّليل تَجْرِيَن
واثْبُت ودفعاً للثَّمن ميِّز برفقٍ أَجِبَن
وحقِ ذي حقّ أَعْطِين وفاضلَ الأَمر اقْصدن
وخَيْر خَيْرين اتَّبَعن وشَر شَرَّين ادْفَعَن
وكنْ ذكياً واتَّزِن بِكثْرةٍ لا تُعْجبنْ
وبعد هذا البحر فاقْـ صدْ وقناةً خَلِّيِنْ
ذلك -يعلم الله مني- جهد المقل، وقوة الضعيف الذي لا يكاد يمضي حتى يَكِل، وما أنا وهذا الأمر وأين ما أقع منه إي والله؟! إن أنا إلا رجل يقرأ ليجمع، ويكتب ليقرأ ما وسعه أن يتفرج ويندب، فإن أصاب فلكم ولا همّ، وإن أخطأ فعليه وخلاكم ذمٌّ.
أعوذ بالله من فتنة القول وزوره، وخَطَل الرَّأي وغروره.
اللهم تجاوز عن زلاتي وجرأتي، ولا تجعل حظِّي من ديني لفظي، وارْزقني الصِّدق في نيَّتِي وقولي وعملي.
اللهم إنِّي أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذُّل إلا لك، ومن الخوف إلا منك.
اللهم إني أعوذ بك أن أقول زوراً، أو أغشى فجوراً، أو أن أكون بك مغروراً.
اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتي، وألجأ إلى حولك وقوتك، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
اللهمَّ لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً.